للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المكي، كما يؤدي هذا الأمر إلى ارتكاب الكبائر واستحلالها تحت عذر المرحلية، فالخمر مثلًا إنما حرمت في المدينة (١).

والحديث عن المراحل لا يعني الركون لها، أو التعامل معها على أنها أصل، وبالتالي تُخفى الشعائر والعبادات، بل إن الأصل في الإسلام هو الإظهار والإعلان كما سيأتي بيانه، ولذا شرع الآذان والعبادات الجماعية كصلاة الجماعة، والحج، وصوم رمضان، والزكاة، والأعياد وغيرها، ولا يمكن التعاطي مع العهد المكي على أنه الأصل لوحده أو مع العهد المدني على أنه الأصل لوحده، فكلاهما أصل ومكمل للآخر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية مفسرًا لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (٢) أي: "بالحجة والبيان، وباليد واللسان هذا إلى يوم القيامة، لكن الجهاد المكي بالعلم والبيان، والجهاد المدني مع المكي باليد والحديد، قال تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} (٣) وسورة الفرقان مكية، وإنما جاهدهم باللسان والبيان، ولكن يكف عن الباطل وإنما قد بين في المكية: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (٤) " (٥).

قال الشاطبي رحمه اللَّه: "المدني من السور ينبغي أن يكون منزلا في الفهم على المكي، وكذلك المكي بعضه مع بعض، والمدني بعضه مع بعض على حسب ترتيبه في التنزيل، وإلا لم يصح، والدليل على ذلك أن معنى الخطاب المدني في الغالب مبني على المكي، كما أن


(١) انظر: الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة، ص ٥١٧ - ٥١٨.
(٢) سورة التوبة، الآية [٣٣].
(٣) سورة الفرقان، الآية [٥٢].
(٤) سورة محمد، الآية [٣١].
(٥) الفتاوى، شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، مجمع الملك فهد: المدينة المنورة، ط ١، ١٤١٦ هـ، ٢٨/ ٣٨.

<<  <   >  >>