للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمحضن الثالث شعاب مكة (١)، وقد كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا صلوا، ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم (٢).

ولقد كان الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في حالة من الانضباط الأمني حتى لا يعلم بعضهم من أسلم أو كم عدد المسلمين يومئذ، ولم يكن الأمر مقتصرًا على الانضباط الأمني والسرية بل حتى الانضباط الاجتماعي، وهو جانب مهم من الانضباط الذي كانت الدعوة تنتهجه كإجراء وقائي يوفر لها بعض الحماية اللازمة للاستمرار في عملية بناء قدراتها الذاتية، بعيدًا عن أجواء القهر والملاحقات المرهقة، فكانوا ملتزمين بدرجة من الانضباط الاجتماعي، بحيث يصعب ملاحظة مظاهر الخروج عن المقررات والعادات والضوابط الاجتماعية التي درج المجتمع المكي عليها، فمصلحة الدعوة يومئذ اقتضت ذلك الانضباط الذي جنبهم الدخول في مواجهات جدالية سافرة، تضرهم ولا تنفعهم في تلك الفترة (٣).

وهذا الانضباط الاجتماعي استمر حتى فترة متقدمة من مسيرة الإسلام قال ابن حجر رحمه اللَّه معلقًا على تسمية صلح الحديبية فتحًا: "ولما كانت قصة الحديبية مقدمة للفتح


(١) انظر: وقفات تربوية مع السيرة النبوية، أحمد فريد، القاهرة: المكتبة التوفيقية، ط ١، ١٤٢١ هـ، ص ٦٨، والسيرة الحلبية، ١/ ٤٣٧، ومنهج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حماية الدعوة والمحافظة على منجزاتها خلال الفترة المكية، الطيب برغوث، الولايات المتحدة الأمريكية: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط ١، ١٤١٦ هـ، ص ٣٠١ - ٣٠٢.
(٢) السيرة النبوية لابن هشام، ١/ ٢٦٣. وانظر: السيرة النبوية لابن كثير، ١/ ٤٥٤، والاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول اللَّه، ١/ ١٦١.
(٣) انظر: منهج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حماية الدعوة، ص ٣١٠ - ٣١٢، وقراءة لجوانب الحذر والحماية، إبراهيم علي محمد أحمد، الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط ١، ١٩٩٦ م.

<<  <   >  >>