للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال رحمه الله تعالى: "وَتَسْقُطْ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ" يعني كما تقدَّم أن الحدود جمع حدًّ يسقط بوقوع الشبهة بالإفراد والجمع الشبهت بضمتين. قال المناوي في فيض القدير: وهي كما في القاموس: الإلباس وقال الزمخشري: تشابهت الأمور واشتبهت: التبست لاشتباه بعضها ببعض وشبه علهي الأمر قال بعضهم: وسميت شبهة لأنها تشبه الحق. ودفع الحد بها لجواز وقوعها في ذلك الأمر؛ قال عليه الصلاة والسلام: "ادرؤوا الحدود بالشبهات وأقيلوا الكرامَ عثراتهم إلاَّ في حدًّ من حدود الله تعالى". وفي رواية ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجًا فخلوا سبيله؛ فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خيرٌ من أن يخطئَ في العقوبة كما تقدَّم، ونقله الحافظ جلال الدين السيوطي في الجامع الصغير فراجعه إن شئت. ومع ذلك لا ينبغي للحاكم أن يترك إقامة الحدّ بعد ثبوته عنده لخبر (ادرؤوا الحدود ولا ينبغي للإمام تَعطِيل الحدود) أي ترك إقامة شيئ منها بعد ثبوته على وجه لا مجال للشبهة فيه، فالمراد: لا تفحصوا عنها إذا لم تثبت عندكم، وبعد الثبوت فإن كان ثَمَّ شبهة فادرؤوا بها وإلاَّ فأقيموها وجوبًا ولا تعطلوها؛ فغن تعطيلها يجر إلى اقتحام القبائح وارتكاب الفضائح والتجاهر بالمعاصي وخلع ربقة احكام الشريعة اهـ. قال المناوي في شرحه على الجامع الصغير.

ثم قال رحمه اللهَّ تعالى: "وَمَا لَيْسَ فِيهِ حَد مِنَ الْمَعَاصِي فَفِيهِ التَّعْزِيرُ بِالاجْتِهضادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ" يعني أنه ختم كتاب الحدود بما ليس فيه حد معلوم من قبل الشارع إشارة إلى جواز الاجتهاد لمن تأهل عليه؛ لأن ذلك أمانة اللَّ على عباده كما وضع الله تعالى أمانته في التعزير على الإمام الأعظم فيما دون الحد ليجتهد - فيما أراه الله - في المسائل والنوازل واللَّه أعلَم فافهم. هذا، وأريد أن أختم كتاب الحدود بمسائل التعزير التي نقلها بعض شيوخنا من كتب شتى؛ لما فيها من الفوائد لمن اعتبر واقتصر على الحدود والله ولي التوفيق فقلت مستعينًا باللهَّ:

<<  <  ج: ص:  >  >>