للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "إن موجب العقد التسليم في الحال" جوابه أن موجب العقد إما أن يكون ما أوجبه الشارع بالعقد أو ما أوجبه المتعاقدان مما يَسوغُ لهما أن يوجباه، وكلاهما منتفٍ في هذه الدعوى؛ فلا الشارعُ أوجبَ أن يكونَ كلُّ مبيعٍ مستحق التسليم (١) عقيب العقد، ولا العاقدان التزما ذلك، بل تارة يعقدان العقد على هذا الوجه، وتارة يشترطان التأخير إما في الثمن وإما في المُثمَنِ، وقد يكون للبائع غرضٌ صحيح [ومصلحة] (٢) في تأخير التسليم [للمبيع، كما كان] (٢) لجابر [-رضي اللَّه عنه- غرض صحيح] (٢) في [تأخير تسليم] (٢) بعيره إلى المدينة، فكيف يمنعه الشارعُ ما فيه مصلحة له ولا ضرر على الآخر فيها؟ إذ قد رضي بها كما رضي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-[على جابر] (٣) بتأخير تسليمِ البعير (٤)، ولو لم ترد السنة بهذا لكان محض القياس يقتضي جوازه، ويجوزُ لكل بائع أن يستثني من منفعة المبيعِ ما له فيه غرضٌ صحيحٌ (٥)، كما إذا باع عقارًا واستثثى سكناه مدة أو دابة واستثنى ظهرها، ولا يختص ذلك بالبيع، بل لو وهبه [شيئًا] (٦) واستثنى نفْعَه مدة، أو أعتق عبدَه واستثنى خدمته مدة، أو وقف عينًا واستثنى غَلّتها لنفسه مدة حياته، أو كاتبَ أمَةً واستثنى وَطْئها مدة الكتابة، ونحوه، وهذا كله منصوص أحمد، وبعضُ أصحابه يقول: إذا استثنى منفعةَ المبيع فلا بد أن يُسلِّمَ العين إلى المشتري ثم يأخذها ليستوفي المنفعة، بناءً على هذا الأصل الذي قد تبين فساده، وهو أنه لا بد من استحقاق القبض عقيب العقد، وعن هذا الأصل قالوا: (٧) لا تصح الإجارة إلا على مدة تَلِي العقد، وعلى هذا بَنَوْا ما إذا باع العين المؤجرة؛ فمنهم من أبطل البيع لكون المنفعة لا تدخل على (٨) البيع فلا يحصل التسليم، ومنهم من قال: هذا مستثنى بالشرع، بخلاف المُستثنى بالشرط وقد اتفق الأئمة على صحة بيع الأمة المزوجة وإن كانت منفعة البضع للزوج ولم تدخل في البيع واتفقوا على جواز تأخير التسليم إذا كان العرف يقتضيه كما إذا باع مخزنًا له فيه متاع كثير لا ينقل في يوم ولا أيام فلا يجب عليه جمع دواب البلد ونقله في ساعة واحدة بل


(١) في (ق) و (ك): "كل بيع يستحق به التسليم".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) انظر كلامًا قويًا لابن القيم حول الاستثناء في البيع في "بدائع الفوائد" (٤/ ٤).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٧) زاد هنا في (ك) و (ق): "إنه".
(٨) في (ق): "في".

<<  <  ج: ص:  >  >>