للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشجر واللَّبن في الحيوان والماء في البئر؛ ولهذا سوَّى بين النوعين في الوقف، فإن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل الفائدة، فكما يجوز أن تكون فائدة الوقف منفعةً كالسكنى وأن تكون ثمرة وأن تكون لبنًا كوقف الماشية للانتفاع بلبنها، وكذلك في باب التبرعات كالعارية لمن ينتفعُ بالمتاع ثم يردّه، والعريّة لمن يأكل ثمرَ (١) الشجرة ثم يردها، والمنيحة لمن يشرب لبن الشاة ثم يردها، والقرض لمن ينتفع بالدراهم ثم يرد بدلها القائم مقام عينها؛ فكذلك في الإجارة تارة يكريه العين للمنفعة التي ليست أعيانًا، وتارة للعين التي تحدث شيئًا من بعد شيءٍ مع بقاء الأصل كلبن الظئر ونقع البئر؛ فإن هذه الأعيان لما كانت تحدث شيئًا بعد شيء [مع بقاء الأصل] (٢) كانت المنفعة (٣)، والمسوِّغ للإجارة هو ما بينهما من القدر المشترك، وهو حدوث المقصود بالعقد شيئًا فشيئًا، سواء كان الحادث عينًا أو منفعة، وكونه جسمًا أو معنًى قائمًا بالجسم لا أثر له في الجواز والمنع مع اشتراكهما في المُقتضي للجواز، بل هذا النوع من الأعيان الحادثة شيئًا فشيئًا أحقُّ بالجواز؛ فإن الأجسام أكْملُ من صفاتها، وطردُ هذا القياس جواز إجارة الحيوان غير الآدمي لرضاعه، [فإن الحاجة تدعو إليه كما تدعو إليه في] (٤) الظئر من الآدميين بطعامها وكسوتها، ويجوز (٥) استئجار الظئر من البهائِمِ بعلَفِها، والماشية إذا عاوض على لبنها فهو نوعان:

أحدهما: أن يشتريَ اللَّبنَ مدة، ويكون العلف والخدمة على البائع، فهذا بيْع محضٌ.

والثاني: أن يتسلَّمها (٦) ويكون علفُها وخدمتُها عليه، ولبنها [له] (٧) مدة الإجارة؛ فهذا إجارة وهو كضمان البساتين (٨) سواء وكالظئر؛ فإن اللبن يُستوفى شيئًا فشيئًا مع بقاء الأصل؛ فهو كاستئجار العين ليسقيَ بها أرضَه، وقد نص مالك على جواز إجارة الحيوان مدةً للبنه ثم مِنْ أصحابه من جوَّز ذلك تبعًا لنصه،


(١) في (ق): "ثمرة".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) في (ق): "كالمنفعة".
(٤) بدل ما بين المعقوفتين في (ن): "وجواز إجارة".
(٥) في (ن): "وجواز"، وفي (ق) و (ك): "و".
(٦) في المطبوع: "ويسلمها".
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق) وقال في هامش (ق): "لعله بلبنها".
(٨) في (د): "البستان".

<<  <  ج: ص:  >  >>