للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجزاؤه، وحمل العاقلة الدية غير مناقضٍ لشيء من هذا (١) كما سنبينه، والناس متنازعون في العَقْل: هل تحمله العاقلة ابتداءً أو تحمُّلًا؟ على قولين (٢)، كما تنازعوا في صدقة الفطر التي يجب (٣) أداؤها عن الغير كالزوجة [والولد] (٤)، هل تجب ابتداءًا أو تحملًا؟ [على قولين] (٤)، وعلى ذلك ينبني ما لو أخرجها من تُحمِّلت عنه عن نفسه بغير إذن المُتحمِّل لها؛ فمن قال: هي واجبة على الغير تحملًا قال: تجزئ في هذه الصورة، ومن قال: هي واجبة عليه ابتداءً قال: لا تجزيء، [بل] (٥) هي كأداء الزكاة عن الغير، وكذلك القاتل إذا لم تكن (٦) له عاقلةٌ، هل تجب الدية في ذمة القاتل [أولًا] (٥)؛ على قولين، بناء على هذا الأصل، والعَقْلُ فارقَ غيره من الحقوق في أسباب اقتضت اختصاصه بالحكم، وذلك أن دية المقتول مال كثير، والعاقلة إنما تحمل الخطأ، ولا تحمل العَمْد بالاتفاق، ولا شبهه على الصحيح، والخطأُ يُعْذَر فيه الإنسان، فإيجاب الدية في ماله فيه ضررٌ عظيم عليه من غير ذنب تعمَّده، وإهدارُ دم المقتول من غير ضمان بالكلية فيه إضرار بأولاده وورثَته، فلا بد من إيجاب بدلِه، فكان من محاسنِ الشَّريعة وقيامها بمصالح العباد أنْ أوجبَ بدله على مَنْ عليهم موالاة القاتل ونُصرته، فأوجب عليهم إعانته على ذلك. وهذا كإيجابِ النفقات على الأقاربِ وكسوتهم، وكذا مسكنهم وإعفافهم إذا طلبوا النكاحِ، وكإيجابِ فَكاك الأسير من يد العدو (٧)، [فإنه أسير] (٨) بالدية التي لم يتعمَّد سبَبَ وجوبها ولا وجبت باختيار مستحقها كالقرض والبيع، وليست قليلة؛ فالقاتل في الغالب لا يقدر على حملها، وهذا بخلاف العمد، فإن الجاني ظالم مستحق للعقوبة ليس أهلًا أن يُحمل عنه بدل القتل (٩)؛ وبخلاف شبه العمد؛ لأنه قاصد للجناية متعمد لها، فهو آثم معتدٍ،


(١) في (ن): "غير مناقض لهذا".
(٢) انظر: "أحكام الجناية" (٣٣٥ - ٣٣٧) للشيخ بكر أبو زيد.
(٣) في (ق): "هل تجب"، وقال في الهامش: "إذا وجب".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ن). وانظر في المسألة "الإشراف" (٢/ ١٩٢ مسألة ٥١٥) للقاضي عبد الوهاب، وتعليقي عليه.
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٦) في (ق): "يكن".
(٧) في المطبوع: "من بلد العدو".
(٨) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فإن هذا أسيف" وفي (ق): "فإن هذا أسير"، وفي (ك): "فإن هذا أيسر".
(٩) في (ق) و (ك): "بدل القتيل".

<<  <  ج: ص:  >  >>