للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغلة لم يكن موجودًا حالَ البيع، وإنما حدث بعد القبض، [وأما اللبن ههنا فإنه كان موجودًا حال العقد] (١)، فهو جزء من المعقود عليه، والشارع لم يجعل الصاع عوضًا عن اللبن الحادث، وإنما هو عوض عن اللبن الموجود وقت العقد في الضّرع (٢)، فضمانه هو محض العدل والقياس.

وأما تضمينه بغيرِ جنسِه ففي غاية العدل؛ فإنه لا يمكن تضمينه بمثله البتة، فإن اللبن في الضّرع محفوظ غير مُعرّض للفساد، فإذا حلب صار عُرضة لحمضه وفساده، فلو ضمن اللبن الذي كان في الضوع بلبن محلوب في الإناء كان ظلمًا تتنزّه (٣) الشريعة عنه.

[[الحكمة في رد التمر بدل اللبن]]

وأيضًا فإن اللبن الحادث بعد العقد اختلط (٤) باللبن الموجود وقت العقد، فلم يعرف مقداره حتى يوجب نظيره على المشتري، وقد يكون أقلّ منه [أو أكثر] (٥) فيفضي إلى الربا؛ لأن أقل الأقسام أن تُجهل المساواة.

وأيضًا فلو وكلناه إلى تقديرهما أو تقدير أحدهما لكثرُ النزاع والخصام بينهما، ففَصلَ الشارع (٦) الحكيم -صلاة اللَّه وسلامه عليه [وعلى آله] (٧) - النزاع وقَدَّره بحد لا يتعدّيانه قطعًا للخصومة وفصلًا للمنازعة، وكان تقديرُه بالتمر أقربَ الأشياء إلى اللبن، فإنه قوت أهل المدينة كما كان اللبن قوتًا لهم، وهو مكيل كما أن اللبن مكيل؛ فكلاهما مطعوم مقْتات [مَكِيل، وأيضًا فكلاهما يُقْتات] (٨) به بلا صنعة ولا علاج، بخلاف الحنطة والشعير والأرز، فالتمر أقرب الأجناس التي كانوا يقتاتون بها إلى اللبن.

فإن قيل: فأنتم (٩) توجبون صاع التمر في كل مكان، سواء كان قوتًا لهم أو لم يكن.


(١) في (ن): "واللبن ههنا موجود حال البيع".
(٢) في (ق): "الموجود في الضرع وقت العقد".
(٣) في (ق): "تنزه".
(٤) في (ق): "بعد العقد قد اختلط".
(٥) في (ق): "وأكثر".
(٦) انظر حول إطلاق مصطلح (الشارع)، و (المشرع) على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والمفتين: "الموافقات" (٥/ ٢٥٥ - ٢٥٦) وتعليقى عليه.
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) وفي (ق): "فكلاهما مقتات به بلا صنعة".
(٩) في (ق): "أنتم".

<<  <  ج: ص:  >  >>