للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحظور نسيانًا (١) عذرًا في سقوط الإثم عن فاعله.

فإن قيل: فهذا الفرق حجة عليكم؛ لأن ترك المفطرات في الصوم من باب المأمورات، ولهذا تُشترط (٢) فيه النية، ولو كان فِعْلُ المُفطرات (٣) من باب المحظور لم يحتج إلى نية كفعل سائر المحظورات (٤).

قيل: لا ريبَ أن النية في الصوم شرطٌ، ولولاها لما كان عبادة، [ولا أُثيب عليه؛ لأن الثواب لا يكون] (٥) إلا بالنية؛ فكانت النيةُ شرطًا في كون هذا الترك عبادة، ولا يختص ذلك بالصوم، بل كل تركٍ لا يكون عبادة يُثاب عليه (٦) إلا بالنية، ومع ذلك فلو فعله ناسيًا لم يأثم به، فإذا نوى تركها لته ثم فعلها ناسيًا لم يقْدَحْ نسيانه في أجره، بل يثاب على قصد تركها للَّه، ولا يأثم بفعلها ناسيًا، وكذلك الصوم.

وأيضًا فإن فعل الناسي غير مضاف إليه، كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أكلَ أو شَربَ ناسيًا فليتمَّ صوْمه؛ فإنما أطعمه اللَّه وسقاه" (٧) فأضاف فعله ناسيًا إلى اللَّه لكونه لم يُردْه ولم يتعمده، وما يكون مضافًا إلى اللَّه تعالى لم يدخل تحت قدرة العبد فلم (٨) يكلَّف به، فإنه إنما يُكلَّف بفعله، ولا بما يَفْعل فيه، ففعل الناسي كفعل النائم والمجنون والصغير (٩)، وكذلك لو احتلم الصائم في منامه أو ذَرَعَه القيءُ (١٠) في اليقظة لم يفطر، ولو استدعى ذلك أفطر (١١) به؛ فلو كان ما يُوجد بغير قصده كما يوجد بقصده لأفطر بهذا وهذا.


(١) في (د) و (ك): "ناسيًا".
(٢) في (ق): "يشترط".
(٣) في (ق): "المفطر".
(٤) في (ن): "كفعل من يرى المحظورات"، وفي (ق) و (ك): "كترك سائر المحظورات".
(٥) بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "يثاب عليه".
(٦) في المطبوع و (ن): "ولا يثاب عليه".
(٧) رواه البخاري (١٩٣٣) في (الصوم): باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا، و (٦٦٦٩) (في الأيمان والنذور): باب إذا حنث ناسيًا في الأيمان، ومسلم (١١٥٥) في (الصوم): باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر، من حديث أبي هريرة.
(٨) في (ق): "ولم".
(٩) انظر: "زاد المعاد" (١/ ١٦٢)، و"تهذيب السنن" (٣/ ٢٣٧ - ٢٣٩) مهم، و (٣/ ٢٧٦ - ٢٧٧).
(١٠) "ذرعه القيء: غلبه، والمراد: أنه وقع من غير اختيار له فيه، ولهذا قابله بقوله: "ولو استدعاه، أي: طلبه" (د).
قلت: وبنحوه في (ط).
(١١) لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ذرعه القيء، فليس عليه قضاء، ومن استقاء، فليقض". =

<<  <  ج: ص:  >  >>