للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهب الإمام أحمد إلى ذلك، وقال: ما أدري مَنْ ذهب إلى (١) غير ذلك إلى أيِّ شيء يذهب، وقال أبو داود في "مسائله": سمعت أحمد (٢) -وقيل له: في نفسك شيءٌ من المفقود؟ - فقال: ما في نفسي منه شيء، هذا خمسة من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمروها أن تتربّص (٣)، قال أحمد: [هذا] من ضيقِ علمِ الرجل أن لا يتكلم في امرأة المفقود (٤).

وقد قال بعض المتأخرين من أصحاب أحمد: إن مذهب عمر في المفقود يخالف القياس (٥)، والقياس أنها زوجة القادم بكل حال، إلا أن نقول: الفُرْقة تنفذ ظاهرًا وباطنًا؛ فتكون زوجة الثاني بكل حال، وغلا بعض المخالفين لعمر في ذلك فقالوا: لو حَكم حاكمٌ بقول عمر في ذلك لنُقضَ حكمُه لبعده عن القياس. وطائفة ثالثة اْخذت ببعض قول عمر، وتركوا بعضه، فقالوا: إذا تزوجت ودخل بها الثاني فهي زوجته، ولا تُردُّ إلى الأول، وإن لم يدخل بها رُدَّت إلى الأول.

[مَنْ تَصَرَّف في حق غيره هل تصرفه مردود أو موقوف؟]

قال شيخنا (٦): من خالف عمر لم يهتدِ إلى ما اهتدى إليه عمر، ولم يكن له من الخبرة بالقياسِ الصحيحِ مثل خبرة عمر، وهذا إنما يتبين بأصْلٍ، وهو وقْفُ العقود إذا تَصَرَّفَ الرجل في حق الغير بغير إذنه، هل يقع تصرفه مردودًا أو موقوفًا على إجازته؟ على قولين [مشهورين] (٧) هما روايتان عن أحمد: إحداهما أنها تقف


= و"شرح السنة" (٩/ ٣١٤)، و"سنن البيهقي" (٧/ ٤٤٦)، و"نصب الراية" (٣/ ٤٧٢)، و"التلخيص الحبير" (٣/ ٢٦٦)، و"قواعد ابن رجب" (١/ ٥٢٤ و ٣/ ١٢٦ - بتحقيقي)، و"الإرواء" (٧/ ١٥٠).
(١) في (ك) و (ق): "وإلى".
(٢) في (ك) و (ق): "أبا عبد اللَّه".
(٣) "تتربص: تنتظر" (د).
(٤) انظر: "مسائل أبي داود" (ص ١٧٧)، وما بين المعقوفتين منها، وفي بعض نسخها: "هذا عندي".
(٥) حكاه ابن قدامة في "المغني" (٧/ ٤٩٠)، وكذا المرغيناني في "الهداية" (٢/ ١٨١)، ووضحه العيني في شرحه "البناية" (٦/ ٦٦)، وكذا الشيرازي في "المهذب" (٢/ ١٤٧).
(٦) في "مجموع الفتاوى" (٢٠/ ٥٧٦ - ٥٧٧)، وانظر: "تيسير الفقه الجامع للاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية" (٢/ ٨٤٤ - ٨٤٧).
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) وفي (ق): "قولين مشهورين وهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>