للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيس اختلعت من زوجها، فأمرها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-[أو أُمرتْ] أن تعتدَّ بحيضة (١)، قال الترمذي (٢): الصحيح أنها أُمرت أن تعتد بحيضة، وهذه الأحاديث لها طرقٌ يصدق بعضها بعضًا، وأُعِلَّ الحديث بعلتين: أحداهما إرساله، والثانية أن الصحيح فيه: "أُمِرَتْ" (٣)، بحذف الفاعل، والعلتان غير مؤثرتين؛ فإنه قد روي من وجوه متصلة، ولا تَعَارُضَ بين "أمرت" وأمَرَهَا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ من المحال أن يكون الآمر لها بذلك غير رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حياته، وإذا كان الحديث قد رُوي بلفظٍ محتمل (٤) ولفظٍ صريح يفسر المحتمل (٤) ويبينه، فكيف يُجعل المحتمل (٤) معارضًا للمفَسَّر بل مقدما عليه؟! ثم يكفي في ذلك فتاوى أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ قال أبو جعفر النَّحاس في كتاب "الناسخ والمنسوخ" (٥): هو إجماعٌ من الصحابة. وأما اقتضاء النظر له فإن المختلعة لم يَبْقَ (٦) لزوجها عليها عدة، وقد ملكت نفسَها وصارت أحق بِبُضعِها، فلها أن تتزوَّجَ بعد براءة رحمها، فصارت العدة في حقها بمجرد براءة الرحم، وقد رأينا الشريعةَ جاءت في هذا النوع بحيضة واحدة كما جاءت بذلك في المسْبِية والمملوكة بعقد معاوضة أو تبرُّع والمهاجرة من دار الحرب، ولا ريب أنها جاءت بثلاثة أقراء في الرجعية، والمختلعةُ فرعٌ متردد بين هذين الأصلين؛ فينبغي إلحاقها بأشبههما بها؛ فنظرنا فإذا هي بذواتِ (٧) الحيضة أشبه.

[[أقسام النساء بالنسبة للعدة]]

ومما يبين حكمة الشريعة في ذلك أن الشارع قسم النساء إلى ثلاثة أقسام:

أحدها: المفارقة قبل الدخول؛ فلا عدة عليها ولا رجعة لزوجها فيها.

الثاني: المفارقة بعد الدخول إذا كان لزوجها عليها رجعة، فجعل عدتها ثلاثة قروء، ولم يذكر سبحانه العدة بثلاثة قروء إلا في هذا القسم، كما هو مصرح به في القرآن في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ [وَلَا يَحِلُّ


(١) مضى تخريجه وقوله: "أو أمرت" سقط من (ك) و (ق).
(٢) في "جامعه" (عقب رقم ١١٨٧) وفي (ك) و (ق): "وقال".
(٣) في (ك) و (ق): "أنها أمرت".
(٤) في (ق): "مجمل"، وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة ما أثبتناه.
(٥) (ص ٨٣).
(٦) في المطبوع: "لم تبق".
(٧) في (ق) و (ك): "بذات".

<<  <  ج: ص:  >  >>