للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسُه إليها، وكان له فيها رغبةً، وصرَّف مُقلِّبُ القلوب قلبه إلى محبتها (١)، وجد السبيل إلى ردها ممكنًا، والباب مفتوحًا، فراجع حبيبتَه، واستقبلَ أَمرَه، وعاد إلى يده ما أخرجته يدُ الغَضَبِ ونزغاتُ الشيطان [منها, ثم لا يُؤمِّن غلباتِ الطباع ونزغاتِ الشيطان] (٢) من المعاودة، فمكّن من ذلك أيضًا مرة ثانية، ولعلها أن تذوقَ من مرارة الطلاق وخرابِ البيت ما يمنعُها من معاودة ما يغضبه، ويذوق هو من ألم فراقها ما يمنعه من التسرع إلى الطلاق، فإذا جاءت الثالثة جاء ما لا مردَّ له من أمر اللَّه سبحانه، وقيل له: قد اندفعت حاجتُك بالمرة الأولى والثانية، ولم يبق لك عليها بعد الثالثة سبيل، فإذا عَلمَ أن الثالثة فراق بينهِ وبينها وأنها القاضية أمسك عن إيقاعها؛ فإنه إذا علم أنها بعد الثالثة لا تحلُّ له إلا بعد تربُّصِ ثلاثة قروء وتزوَّج بزوجٍ راغب في نكاحها وإمساكها، وأن الأول لا سبيل له إليها حتى يدخل بها الثاني دخولًا كاملًا يذوقُ فيه كل واحد منهما عُسيلة صاحبه بحيث يمنعهما ذلك من تعجيل الفراق ثم يُفارقُها بموتٍ أو طلاقٍ أو خلعٍ ثم تعتدُّ من ذلك عدة كاملة تبين له حينئذ يأسه بهذا الطلاق الذي هو من أبغض الحلال إلى اللَّه، وعلم كل واحد منهما أنه لا سبيل له إلى العوْدِ بعد الثالثة (٣)، لا باختياره ولا باختيارها، وأكد هذا المقصود بان لَعَنَ الزوج الثاني إذا لم ينكح نكاح رغبة يقصد فيه الإمساك، بل نكح نكاح تحليل، ولعن الزوج الأول إذا ردّها بهذا النكاح، بل ينكحها الثاني كما نكحها الأول، ويطلقها كما طلقها الأول، وحينئذٍ فتباح للأول كما تباح لغيره من الأزواج.

وأنت إذا وازنت بين هذا (٤) وبين الشريعتين المنسوختين، ووازنت بينه وبين الشريعة المبدلة المبيحة ما لعنَ اللَّه ورسولُهُ فاعلَه، تبين لك عظمة هذه الشريعة، وجلالتها، وهيمنتها على سائر الشرائع، وأنها جاءت على أكمل الوجوه وأتمها وأحسنها وأنفعها للخلق، وأن الشريعتين المنسوختين خير من الشريعة المبدَّلة، فإن اللَّه سبحانه شرعها في وقت (٥)، ولم يشرع المبدلة أصلًا.

وهذه الدقائق ونحوها مما يختص اللَّه سبحانه بفهمه من يشاء؛ فمن وصل إليها فليحمد اللَّه، ومن لم يصل إليها فليسلِّم لأحكم الحاكمين وأعلم العالمين.


(١) في (ك) و (ق): "حبها".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) في (ن): "لا سبيل له بالعود إلى هذه الثالثة".
(٤) في (ن): "إذا وزنت هذا".
(٥) في (ن): "في كل وقت"! وفي (ق): "شرعهما في وقت".

<<  <  ج: ص:  >  >>