للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل [الحكمة في التفريق بين الكلب الأسود وغيره]]

وأما قوله: "وفرق بين الكلب الأسود وغيره في قطع الصلاة" فهذا سؤال أورده عبد اللَّه بن الصَّامت على أبي ذر، وأورده (١) أبو ذر على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأجاب عنه بالفرق البيِّن فقال: "الكلب الأسود شيْطان" (٢)، وهذا إن أُريد به أن الشَّيطانَ يظهر في صورة الكلب الأسود كثيرًا كما هو الواقع فظاهر (٣)، وليس بمستنكر أن يكونَ مرورُ عدو اللَّه بين يدي المصلي قاطعًا لصلاته، ويكون مرورُه قد جعلَ تلك الصلاةَ بغيضةَ إلى اللَّه مكروهة له، فيُؤمر المصلي باستئنافها (٤)، وإن كان المراد به أن الكلبَ الأسودَ شيطانُ الكلاب فإن كل جنس من أجناس الحيوانات فيها شياطين وهي ما عَتَا منها وتمرد، كما أن شياطين الإنس عُتاتهم ومتمردوهم، والإبلُ شياطينُ الأنعام، وعلى ذرْوة كل بعيرٍ شيطان (٥)؛ فيكون مرورُ هذا النوع من الكلاب -وهو من أخبثها وشرها- مبغضًا لتلك الصلاة إلى اللَّه تعالى؛ فيجب على المصلي أن يستأنفها (٦)، وكيف يُستبعدُ أن يقطعَ مرورُ العدو بين الإنسان


(١) أشار في هامش (ق) إلى أنه في نسخة: "ورواه".
(٢) رواه مسلم (٥١٠) في الصلاة: باب قدر ما يستر المصلي، من حديث أبي ذر.
(٣) انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية"، (١٩/ ٥٢)، وكتابي: "فتح المنان" (١/ ٥٨، ٢٥٧ - ٢٥٨).
(٤) في المطبوع: "بأن يستانفها".
(٥) رواه أحمد (٣/ ٤٩٤)، وابن أبي شيبة (٧/ ١١٧ ط - الفكر)، والدارمي (٢/ ٢٨٥ - ٢٨٦)، وابن حبان (١٧٠٣) و (٢٦٩٤)، والطبراني في "الكبير" (٢٩٩٣)، وفي "الأوسط" (١٩٤٥) من طرق عن أسامة بن زيد الليثي عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه مرفوعًا وفيه زيادة.
قال الهيثمي في "المجمع" (١٠/ ١٣١): ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن حمزة وهو ثقة.
أقول: أسامة بن زيد الليثي فيه كلام لا ينزل حديثه عن درجة الحسن، ومحمد بن حمزة روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات" (٥/ ٣٥٧)، وله شاهد من حديث ابن عمر: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه القاسم بن غصن وهو ضعيف؛ كما قال الهيثمي في "المجمع" (١٠/ ١١٣).
ومن حديثِ عمر بن الخطاب: رواه ابن عدي في "الكامل" (٥/ ١٩٥٠) ووقع في سنده خطأ وسِقط، وفيه عَنْبسة بن عبد الرحمن وهو منكر الحديث. وانظر (٣/ ١٨٥ - ١٨٦).
(٦) انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (١٩/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>