للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قسم الذهب والفضة إلى قسمين: أحدهما ما هو معدٌّ لتنميته (١) والتجارة به والتكسب ففيه الزكاة كالنقدين والسبائك ونحوها، وإلى ما هو معد للانتفاع دون الربح والتجارة كحلي (٢) المرأة وآلات السلاح التي يجوز استعمال مثلها فلا زكاة فيه (٣).

ثم قسم العروض إلى قسمين: قسم أعد للتجارة ففيه الزكاة، وقسم أعد للقِنْية والاستعمال فهو مصروف عن جهة النماء فلا زكاة فيه.

ثم لما كان حصول النماء والربح بالتجارة من أشق الأشياء وأكثرها معاناة وعملًا خفَّفها بأن جعل فيها ربع العشر، ولما كان الربح والنماء بالزروع والثمار التي تُسقى بالكلفة (٤) أقل كلفة والعمل أيسر ولا يكون في كل السنة جعله ضعفه وهو نصف العشر، ولما كان التعب والعمل فيما يشرب بنفسه أقل والمؤنة أيسر جعله ضعف ذلك وهو العشر، واكتفى فيه بزكاة عامة خاصة؛ فلو أقام عنده بعد ذلك عدة أحوال لغير التجارة لم تكن فيه زكاة لأنه قد انقطع نماؤه وزيادته، بخلاف الماشية، وبخلاف [ما لو أعِدَّ للتجارة] (٥)؛ فإنه عُرْضة للنماء، ثم لما كان الرِّكازُ مالًا، مجموعًا محصلًا وكلفَة تحصيله أقل من غيره، ولم يحتج إلى أكثر من استخراجه كان الواجب فيه ضعف ذلك وهو الخمس.

فانظر إلى تناسب هذه الشريعة الكاملة التي بهر (٦) العقولَ حسنُها وكمالها، وشهدت الفِطر بحكمتها، وأنه لم يطرق العالم شريعة أكمل منها (٧). ولو اجتمعت عقول العقلاء وفِطر الألِبَّاء واقترحت شيئًا يكون أحسنُ مُقترحًا (٨) لم يصل اقتراحها إلى ما جاءت به.

ولما لم يكن كل مال يحتمل المواساة قدَّر الشارع لما يحتمل المواساة نُصُبًا مقدرة لا تجب الزكاة في أقل منها، ثم لما كانت تلك النصب تنقسم إلى مالا يجحف المواساة ببعضه أوجب الزكاة منها، وإلى ما يجحف المواساة ببعضه


(١) في المطبوع: "للثمنية".
(٢) في المطبوع: "كحلية".
(٣) انظر: "الطرق الحكمية" (ص ٣٠١)، و"بدائع الفوائد" (٣/ ١٤٣)، وما قدمناه.
(٤) في (ق) و (ك): "بكلفة".
(٥) بدل ما بين المعقوفتين في (ك) و (ق): "مال التجارة".
(٦) في (ق) و (ك): "يبهى".
(٧) في المطبوع: "أفضل منها".
(٨) في المطبوع و (ن) و (ك): "مقترح".

<<  <  ج: ص:  >  >>