للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزاني وقد باشر به الجناية، ولا لسان القاذف وقد باشر به القذف" فجوابه أن هذا من أدلِّ الدلائل على أن هذه الشريعة منزلة من عند أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين.

ونحن نذكر فصلًا نافعًا في الحدود ومقاديرها، وكمال ترتيبها (١) على أسبابها، واقتضاء كل جناية لما رُتِّب عليها دون غيرها (٢)، وأنه ليس وراء ذلك للعقول اقتراح، ونورد أسئلة لم يوردها هذا السائل، وننفصل عنها بحول اللَّه وقوته (٣) أحسن انفصال، واللَّه المستعان وعليه التكلان.

إن (٤) اللَّه جل ثناؤه وتقدَّست أسماؤُه لمَّا خلق العباد وخلق الموت والحياة وجعل ما على الأرض زينة لها ليبلوَ عباده وليختبرهم أيهم أحسنُ عملًا لم يكن في حكمته بد من تهيئة أسباب الابتلاء في أنفسهم وخارجًا عنها، فجعلَ في أنفسهم العقولَ الصحيحةَ والأسماعَ والأبصارَ والإراداتِ (٥) والشهواتِ والقوى والطبائعَ والحبَّ والبغضَ والميلَ والنُّفورَ والأخلاقَ المتضادة المقتضية لآثارها اقتضاء السبب لمسبِّبه والتي في الخارج الأسباب التي تطلب النفوس حصولها فتنافس فيه، وتكره حصولها (٦) فتدفعه عنها، ثم أكَّد أسباب هذا الابتلاء بأن وكَّل بها قُرناءَ من الأرواح الشريرة الظالمة الخبيثة وقرناء من الأرواح الخيّرة العادلة الطيبة، وجعل دواعي القلب وميوله مترددة بينهما؛ فهو إلى داعي الخير مرة وإلى داعي الشر أخرى (٧)، ليتمَّ الابتلاء في دار الامتحان، وتظهر حكمة الثواب والعقاب في دار الجزاء، وكلاهما من الحق الذي خلق اللَّه السماوات والأرض به ومن أجله، وهما مقتضى ملك الرب وحمده؛ فلا بد أن يَظهَر ملكُه وحمدُه فيهما كما ظهر في خلق السماوات والأرض وما بينهما، وأوجب ذلك في حكمته ورحمته وعدله بحكم إيجابه على نفسه أن أرسل رُسُله وأنزل كتبه وشرع شرائعه ليتم ما اقتضته حكمته في خلقه وأمره، وأقام سوقَ الجهاد لما حصل من المُعاداة والمُنافرة بين هذه الأخلاق والأعمال والإرادات كما حصل بين من قامت به، فلم يكن بُد من حصول مقتضى الطبائع البشرية (٨) وما قارنها من الأسباب من التنافس


(١) في المطبوع: "ترتبها".
(٢) في (ق) و (ك): "غيره".
(٣) في (ق) و (ك): "بحول اللَّه وعونه".
(٤) في (ق): "فإن".
(٥) تحرفت في (ق) و (ن): و"الأدوات".
(٦) في (د): "حصوله".
(٧) في المطبوع: "مرة".
(٨) في المطبوع و (ن): "مقتضى الطباع البشرية".

<<  <  ج: ص:  >  >>