للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الثانية] لكان فيه ما فيه؛ إذ كيف تزال (١) مفسدة بمفسدة نظيرها من كل وجه؟ فكيف والأولى لا سبيل إلى إزالتها؟ وتقرير (٢) ذلك بما ذكرناه من عدم إزالة مفسدة تحريق الثياب وذبح المواشي وخراب الدور وقطع الأشجار بمثلها، ثم كيف حَسُن أن يُعاقب السارق بقطع يده التي اكتسب بها السرقة، ولم يحسن عقوبة الزاني بقطع فرجه الذي اكتسب به الزنا، ولا القاذف بقطع لسانه الذي اكتسب به (٣) القذف، ولا المزوِّر على الإمام والمسلمين بقطع أنامله التي اكتسب (٤) بها التزوير، ولا الناظر إلى ما لا يحل له بقلع عينه التي اكتسب (٥) بها الحرام؟ فعلم أن الأمر في هذه العقوبات جنسًا وقدرًا وسببًا ليس بقياس، وإنما هو محض المشيئة، وللَّه التصرف في خلقه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

فالجواب -وباللَّه التوفيق والتأييد- من طريقين: مُجْمَلٍ، ومفصل: أما المُجمل فهو أَنَّ مَنْ شرع هذه العقوبات ورتبها على أسبابها جنسًا وقدرًا فهو عالم الغيب والشهادة، وأحكم الحاكمين، وأعلم العالمين، ومن أحاط بكل شيء علمًا، وعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف [كان] (٦) يكون، وأحاط علمُه بوجوه المصالحِ دقيقِها وجليلِها وخفيِّها وظاهرها، ما يمكن اطلاع البشر عليه وما لا يمكنهم، وليست هذه التخصيصات والتقديرات خارجة عن وجوه الحكم والغايات المحمودة كما أن التخصيصات والتقديرات الواقعة في خلقه كذلك، فهذا في خلقه وذاك في أمره، ومصدرهما جميعًا عن كمال عِلْمه وحكمته ووضعه كلَّ شيء في مَوْضِعه الذي لا يليق به سواه ولا يتقاضى إلا إيَّاه، كما وَضعَ قوةَ البصر والنور للباصر في العين، وقوة السمع في الأذن، وقوة الشم في الأنف، وقوة النطق في اللسان والشفتين، وقوة البطش في اليد، وقوة المشي في الرجل، وخص كُلَّ حيوان وغيره بما يليق به ويحسن أن يُعطاه من أعضائه وهيئاته وصفاته وقدره، فشَملَ إتقانُه وإحكامه لكل ما شمله خلقه كما قال تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: ٨٨].

وإذا كان سبحانه قد أتقن خلقه غاية الإتقان، وأحكمه غاية الإحكام، فلأن


(١) في (ق) و (ك): "إذ تزول"، وما بين المعقوفتين سقط منهما.
(٢) في (ق): "وتعريف"، وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة: "وتفريق" وهي (ك).
(٣) في (ن): "نطق به"، وفي (ق) و (ك): "ولا القاذف بقطع لسان".
(٤) في (ق): "كتب".
(٥) في (ن): "التبس"، وفي (ق): "التمس".
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>