للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُغسل النجاسةُ بالنجاسة، بل الجناية نجاسة والقصاص طُهْرة، وإذا لم يكن بد من موت القاتل ومن استحق القتل فموته بالسيف أنفعُ له في عاجلته وآجلته، والموتُ به أسرع الموتات، وأوحاها (١) وأقلها ألمًا، [فموته به مصلحة له] (٢) ولأولياء القتيل ولعموم الناس، وجرى ذلك مَجرى إتلاف الحيوان بذبحه لمصلحة الآدمي، فإنه حَسَن، وإن كان في ذبحه إضرار بالحيوان؛ فالمصالحُ المترتبةُ على ذبحه أَضعافُ أضعافِ مفسدة إتلافه (٣)، ثم هذا السؤال الفاسد يظهر فساده وبطلانه بالموت الذي [حتّمه] (٤) اللَّه على عباده وساوى فيه بين جميعهم، ولولاه لما هنأ العيش، ولا وسعتهم الأرزاق، ولضاقت عليهم المساكن والمدن والأسواق والطُّرقات، وفي مفارقة البغيض من اللَّذة والرَّاحة ما في مواصلة الحبيب، والموت مُخلِّص للحي، والموت (٥) مريح لكل منهما من صاحبه، ومخرج (٦) من دار الابتلاء والامتحان وباب (٦) للدخول في دار الحيوان (٧).

جزى اللَّه عنا الموت خيرًا فإنه ... أبرُّ بنا مِنْ كُلِّ بِرٍّ وألطفُ (٨)

يُعَجِّل تخليصَ النفوس من الأذى ... ويُدْني إلى الدَّارِ التي هي أشرفُ

فكم للَّه سبحانه على عباده الأحياء والأموات في الموت من نعمة لا تُحصى، فكيف إذا كان فيه طُهرة للمقتول، وحياة للنوع الإنساني، وتشفٍّ للمظلوم (٩)، وعدلٍ بين القاتل والمقتول؛ فسبحان من تنزهَت شريعتُه عن خِلَاف ما شرعها عليه من اقتراح العقول الفاسدة والآراء الظالمة (١٠) الجائرة.

وأما قوله: "لو كان ذلك مستحسنًا في العقول لاستُحسنَ في تَحريقِ ثوبه وتخريبِ داره وذبحِ حيوانه بمقابلته (١١) بمثله".


(١) في (ن) و (ك): "وأوجأها".
(٢) في (ق): "لموته به".
(٣) في (ق): "ايلامه".
(٤) في (د): "ختمه"، وفي (ن): "كتبه".
(٥) في (ق): "للميت"
(٦) في (ق) و (ك): "مخرج. . . باب" دون واو في أولهما.
(٧) قال (ط): "الحيوان المقصود بها هنا: الحياة، من قوله تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: ٦٤]، قلت: وفي نسخة (د) قال: "الحيوان هنا: الحياة".
(٨) في المطبوع و (ق) و (ك): "وأعطف".
(٩) في (ق): "وتشفي المظلوم".
(١٠) في المطبوع: "الضالة".
(١١) في (ن): "لمقابلته"، وفي (ق): "مقابلته"، وفيها "تخريق" بدل "تحريق".

<<  <  ج: ص:  >  >>