للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخر (١):

خليلان مختلفٌ شكْلُنا (٢) ... أريد العلاء ويَبغي السمن

أريدُ دماءَ بني مالك ... ورأْيُ المعلَّى (٣) بياضُ اللبن

وهذا وإن كانت الشريعة قد أبطلته وجاءت بما هو خير منه وأصلح في المعاش والمعاد من تخيير الأولياء بين إدراك الثأر ونيل التشفِّي وبين أخذ الدية فإن القصد به أن العرب لم تكن تعيّر من أخذ بدل ماله، ولم تَعدّه ضَعْفًا ولا عجزًا ألبتة، بخلاف من أخذ بدل دم وليه، فما سوَّى اللَّه بين الأمرين في طَبْع ولا عَقْل ولا شَرْع، والإنسان قد يَخْرِقُ (٤) ثوبه عند الغيظ، ويذبح ماشيته، ويتلف ماله، فلا يلحقه في ذلك من المشقة والغيظ والازدراء به (٥) ما يلحق من قَتلَ نفسه أو جدع أنفه أو قلع عينه.

[فصل [ليس من الحكمة إتلاف كل عضو وقعت به معصية]]

وأما معاقبة السارق بقطع يده وترك معاقبة الزاني بقطع فرجه ففي غاية الحكمة والمصلحة (٦)، وليس في حكمة اللَّه ومصلحة خلقه وعنايته ورحمته بهم أن يُتلفَ على كل جانٍ كل عضو عَصاهُ به، فيشرع قَلْعَ عين من نظر إلى مُحرَّم (٧) وقطع أذن من استمع إليه، ولسان من تكلم به، ويد من لطم غيره عُدْوانًا، ولا خفاء بما في هذا من الإسرافِ والتَّجاوزِ في العقوبة وقلب مراتبها؛ وأسماء الرب الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الحميدة تأبى ذلك، وليس مقصود الحد (٨) مجرد الأمن من المعاودة ليس إلا، ولو أريد هذا لكان قتل صاحب الجريمة فقط، وإنما المقصودُ الزجرُ والنَّكالُ والعقوبة على الجريمة، وأن يكون إلى كفِّ عدوانه أقرب، وأن يعتبر به غيره، وأن يُحدِثَ له ما يذوقه من الألم توبةً نصوحًا، وأن


(١) البيت الأول في (ق) و (ك) هكذا:
"خليلان مختلف شكلهما ... أريد العلا وتبغي السمن"
(٢) في (ق) و (ك): "شكلهما".
(٣) في (ن) كأنها "الولي"، وفي (ق): "العلاء".
(٤) في (ن): "يحرق" بالحاء المهملة.
(٥) في (ن): "والإزراء به".
(٦) انظر: "الداء والدواء" (ص ١٦٠).
(٧) في (د): "المحرم".
(٨) في المطبوع: "مقصود الشارع".

<<  <  ج: ص:  >  >>