للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرْفَه الناس فإنه في مشقة وجهد] (١) بحسبه، فكان من رحمة اللَّه بعباده وبِرِّه بهم أن خفَّف عنهم شطر الصلاة واكتفى منهم بالشَّطْر، وخفف عنهم أداء فرض الصوم في السفر، واكتفى منهم بأدائِه في الحَضَر، كما شرع مثل ذلك في حق المريض والحائض، فلم يُفوِّت عليهم مصلحة العبادة بإسقاطها في السفر جملة، ولم يلزمهم بها في السفر كإلزامهم في الحضر. وأما الإقامة فلا موجب لإسقاط بعضِ الواجب فيها ولا تأخِيره، وما يعرضُ فيها من المشقة والشغل فأمرٌ لا ينضبط ولا يَنْحَصر؛ فلو جوَّز (٢) لكل مشغول وكل مشقوق عليه الترخُّص ضاعَ الواجبُ واضمحل بالكلية، وإن جوز للبعض دون البعض لم ينضبط؛ فإنه لا وصف يضبط ما تجوز معه الرخصة وما لا تجوز، بخلاف السَّفر، على أن المشقة قد عُلِّق بها من التخفيف ما يناسبها، فإن كانت مشقةَ مرضٍ وألم يضر به جاز معها الفطر والصلاة قاعدًا أو على جنب، وذلك نظير قصر العدد (٣)، وإن كانت مشقةَ تعب فمصالح الدنيا والآخرة منوطة بالتعب، ولا راحةَ لمن لا تعبَ له، بل على قدر التعب تكون الراحة، فتناسبت الشريعة في أحكامها ومصالحها بحمد اللَّه ومنه.

[فصل [الفرق بين نذر الطاعة والحلف بها]]

وأما قوله: "وأوجبَ على مَنْ نذر للَّه طاعة الوفاء بها، وَجوَّز لمن حلف عليها أن يتركها ويكفر يمينه، وكلاهما قد التزم فعلها [للَّه] (١) " فهذا السؤال يورد على وجهين:

أحدهما: أن يحلف ليفعلنَّها نحو أن يقول: واللَّه لأصومنَّ الاثنين والخميس ولأَتصدقنَّ، كما يقول: للَّه عليَّ أن أفعل ذلك.

والثاني: أن يحلف بها كما يقول: إن كَلَّمتُ فلانا فلله عليَّ صومُ سنة وصدقة ألف.

[[الالتزام بالطاعة أربعة أقسام]]

فإن ورد على الوجه الأول فجوابه أن الملتزمَ الطاعةِ للَّه لا يخرج التزامُه للَّه عن أربعة أقسام:


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٢) في المطبوع: "فلو جاز".
(٣) "أي: عدد الركعات بجعل الأربع اثنتين" (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>