للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضهم لبعض إما بنوّة عم دانية وإما قاصية، فلو مُنِعوا من ذلك لكان عليهم فيه حرج عظيم وضيق؛ فكان ما جاءت به الشريعة أحسن الأمور وألصقها بالعقول السليمة والفطر المستقيمة، والحمد للَّه رب العالمين.

[فصل [حمل العاقلة دية الخطأ]]

وأما قوله: "وحمَّل العاقلة جناية الخطأ على النفوس دون الأموال" فقد تقدم أن هذا من محاسن الشريعة، وذكرنا من الفرق بين الأموال والنفوس ما أغنى عن إعادته.

[فصل [الحكمة في الفرق بين المستحاضة والحائض]]

وأما قوله: "وحرم وطء الحائض لأجل الأذى، وأباح وطء المستحاضة مع وجود الأذى، وهما متساويان" فالمقدمة الأولى صادقة، والثانية فيها إجمال، فإن أريدَ أن أذى الاستحاضة مساوٍ لأذى الحيض كَذبَت المقدمة، وإن أريد أنه نوع آخر من الأذى لم يكن التفريقُ بينهما تفريقًا بين المتساويين، فبطل سؤاله على كلا التقديرين.

ومن حكمة الشارع تفريقه بينهما؛ فإنَّ أذى الحيضِ أعَظمُ وأدومُ وأضرُّ من أذى الاستحاضة، ودم الاستحاضة عِرق، وهو في الفرج بمنزلة الرعاف في الأنف، وخروجه مضر، وانقطاعه دليل على الصحة، ودم الحيض عكس ذلك، ولا يستوي الدمان حقيقة ولا عرفًا ولا سببًا ولا حكمًا؛ فمن كمال الشريعة تفريقها بين الدمين في الحكم كما افترقا في الحقيقة، وباللَّه التوفيق.

[فصل [الحكمة في الفرق بين اتحاد الجنس واختلافه في تحريم الربا]]

وأما قوله: "وحرم بيع مدِّ حِنطة بمد وحفنة، وجوز بيعه بقفيز (١) شعير" فهذا من محاسن الشريعة التي لا يهتدي إليها إلا أولو العقول الوافرة، ونحن نشير إلى


(١) "نوع من المكاييل" (و).

<<  <  ج: ص:  >  >>