للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك لا يمكن إلا بسعر تُعرف به القيمة، وذلك لا يكون إلا بثمن تُقوَّم به الأشياء، ويستمر على حالة واحدة، ولا يُقوم هو بغيره؛ إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض، فتفسد معاملات الناس، ويقع الخلف ويشتد الضرر، كما رأيت من فساد معاملاتهم والضرر اللاحق بهم حين اتخذوا (١) الفلوس سلعة تُعد للربح فعم الضرر وحصل الظلم، ولو جُعلت ثمنًا واحدًا لا يزداد (٢) ولا ينقص بل تقوَّم به الأشياء ولا يقوم هو بغيرها (٣) لصلح أمر الناس، فلو أُبيح ربا الفَضْل في الدراهم والدنانير -مثل أن يَعطي صحاحا ويأخذ مكسَّرة أو خفافًا ويأخذ ثقالًا أكثر منها- لصارت متجرًا، وجر (٤) ذلك إلى ربا النسيئة فيها ولابد؛ فالأثمان لا تُقصد لأعيانها، بل يُقصد التوسل (٥) بها إلى السلع، فإذا صارت في أنفسها سلعًا (٦) تُقصد لأعيانها فسد أمر الناس، وهذا [قولٌ] (٧) يختص بالنقود لا يتعدى إلى سائر الموزونات.

فصل (٨) [حكمة تحريم ربا النساء في المطعوم]

وأما الأصناف الأربعة المطعومة فحاجة الناس إليها أعظم من حاجتهم إلى غيرها؛ لأنها أقواتُ العَالَم، وما يصلحها؛ فمن رعاية مصالح العباد أن مُنعوا من بيع بعضها ببعض إلى أجل، سواء اتحد الجنس أو اختلف، ومُنِعُوا من بيع بعضها ببعض حالًا متفاضلًا وإن اختلفت صفاتها؛ وجوز لهم التفاضل فيها مع اختلاف أجناسها.

وسر ذلك -واللَّه أعلم- أنه لو جوز بيع بعضها ببعض نساء لم يفعل ذلك أحد إلا إذا رَبح، وحينئذ تشحُّ (٩) نفسُه ببيعها حَالة لطمعه في الربح، فيعز الطعام على المحتاج، ويشتد ضرره. وعامة أهل الأرض ليس عندهم دراهم ولا دنانير،


(١) في (د): "اتخذت".
(٢) في (ق) و (ك): "يزاد".
(٣) في هامش (ق): "لعله: بها". قلت: ولعله كذلك فعلًا، وفي المطبوع: "ولا تقوم هي بغيرها".
(٤) في المطبوع و (ك): "أوجر".
(٥) في المطبوع: "التوصل".
(٦) في (ق): "مبلغًا" وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة ما أثبتناه.
(٧) في (ك) و (ق): "معنى معقول".
(٨) ما تحته في "تفسير آيات أشكلت" لابن تيمية (٢/ ٦١٦ وما بعده) بنحوه.
(٩) في المطبوع و (ق) و (ك): "تسمح".

<<  <  ج: ص:  >  >>