للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا (١) سيما أهل العمود والبوادي، وإنما يتناقلون الطعام بالطعام؛ فكان من رحمة الشارع بهم وحكمته أن منعهم من ربا النساء فيها كما منعهم من ربا النساء في الأثمان؛ إذ لو جوَّز لهم النَّساء فيها لدخلها: "إما أن تَقْضي وإما أن تُرْبي" فيصير الصاع الواحد [لو أخذ] (٢) قُفزانًا كثيرة، ففُطِموا عن النساء، ثم فُطموا عن بيعها متفاضلًا يدًا بيد؛ إذ تجرهم حلاوة الربح وظفر الكسب إلى التجارة فيها نساء وهو عين المفسدة، وهذا بخلاف الجنسين المتباينين؛ فإن حقائقهما وصفاتهما ومقاصدهما (٣) مختلفة؛ ففي إلزامهم المساواة في بيعها إضرارٌ بهم، ولا يفعلونه، وفي تجويز النساء بينها ذريعة إلى "إما أن تقضي وإما أن تُرْبي" فكان من تمام رعاية مصالحهم أن قصرهم على بيعها يدًا بيد كيف شاءوا، فحصلت لهم مصلحة المناقلة (٤)، واندفعت عنهم مفسدة "إما أن تقضي وإما أن تُرْبي" وهذا بخلاف ما إذا بيعت بالدراهم أو غيرها من الموزونات نساء فإن الحاجة داعية إلى ذلك، فلو منعوا منه لأَضرَّ بهم، ولامتنع السَّلَم الذي هو من مصالحهم فيما هم محتاجون إليه أكثر من غيره، والشريعة لا تأتي بهذا، وليس بهم حاجة في بيع هذه الأصناف بعضها ببعض نساء وهو ذريعة قريبة إلى مفسدة الربا، فأبيح لهم في جميع ذلك ما تدعو إليه حاجتهم وليس بذريعة إلى مفسدة راجحة [ومنعوا مما لا تدعو الحاجة إليه ويتذرع به غالبًا إلى مفسدة راجحة] (٥).

يوضح ذلك أن من عنده صنف من هذه الأصناف وهو محتاج إلى الصنف الآخر فإنه يحتاج إلى بيعه بالدراهم ليشتري الصنف الآخر، كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بع الجَمْع (٦) بالدَّراهم ثم اشتر بالدراهم جَنيبًا" (٧) أو يبيعه بذلك الصنف نفسه بما


(١) في (ك): "ولا".
(٢) ما بين المعقوفتين من المطبوع.
(٣) في (ق) و (ك): "في مقاصدها".
(٤) في المطبوع: "المبادلة".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٦) "الجمع -فتح الجيم، وسكون الميم-: كل لون من النخيل لا يعرف اسمه، وقيل: هو تمر مختلط من أنواع متفرقة، وليس مرغوبا فيه، وما يخلط إلا لرداءته، والجنيب: نوع جيد من التمر" (و).
قلت: قال ابن حجر في "الفتح" (٤/ ٤٠٠): "و. . . الجمع" -بفتح الجيم وسكون الميم-: التمر المختلط، و"الجنيب" -بجيم ونون وتحتانية وموحدة، وزن عظيم-، قال مالك: "هو الكبيس"، وقال الطحاوي: "هو الطيب"، وقيل: الصلب، وقيل: الذي أخرج منه حشفه ورديئه، وقال غيرهم: هو الذي لا يخلط بغيره بخلاف الجمع".
(٧) أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب البيوع): باب إذا أراد بيع تمر بتمرٍ خير منه =

<<  <  ج: ص:  >  >>