للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه سَفَهٌ وإضاعة للصنعة (١). والشارع أحكم من أن يُلْزم الأُمَّة بذلك، فالشريعة لا تأتي به، ولا تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه لحاجة الناس إلى ذلك (٢)؛ فلم يبق إلا أن يُقال: لا يجوز بيعها بجنسها ألبتَّة، بل يبيعها بجنس آخر، وفي هذا (٣) من الحرج والعُسْر والمشقة ما تتقيه (٤) الشريعة؛ فإن أكثر الناس ليس عندهم ذهب يشترون به ما يحتاجون إليه من ذلك، والبائعُ لا يسمحُ ببيعه ببُر وشعير وثياب؛ وتكليف الاستنصاع لكل من احتاج إليه إما متعذر أو متعسر، والحِيَلُ باطلة في الشرع وقد جوز الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب (٥)، وأين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه؛ فلم يبق إلا جواز بيعه كما تُباع السلع؛ فلو لم يجز بيعه بالدراهم فسدت مصالح الناس، والنصوص الواردة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس فيها ما هو صريح في المنع، وغايتها أن تكون عامة أو مطلقة، ولا ننكر تخصيص العام وتقييد المطلق بالقياس الجلي، وهي بمنزلة نصوص وجوب الزكاة في الذهب والفضة، والجمهور يقولون: لم تدخل في ذلك الحلية، ولا سيما فإن لفظ النصوص في الموضعين قد ذكر تارة بلفظ الدراهم والدنانير كقوله: "الدرهم بالدرهم، والدينار بالدينار" (٦) وفي الزكاة قوله: "وفي الرِّقَةِ رُبْع العشر" (٧)،


(١) انظر: "الصواعق المرسلة" (١/ ١٤٥)، و"إغاثة اللهفان" (١/ ٣٦٩) حديث القلادة وقارن بـ "الاعتصام" (٢/ ٦٠١ - ط ابن عفان).
(٢) في المطبوع و (ك) و (ق): "لحاجة الناس إليه".
(٣) في (ق): "وهذا فيه".
(٤) في (ك) و (ق): "تنفيه".
(٥) يريد أحاديث جواز العرايا، وقد وردت عن جمع في الصحابة، منها: حديث سهل بن أبي حثمة: رواه البخاري (٢١٩١) في (الببوع): باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب والفضة، و (٢٣٨٣ و ٢٣٨٤) في (المساقاة): باب الرجل يكون له ممرٌّ أو شِربٌ في حائط أو نخل، ومسلم (١٥٤٠) في (البيوع): باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع التمر بالتمر ورخص في العرية يبيعها أهلها بخرصها يأكلونها رُطبًا".
وحديث زيد بن ثابت: رواه البخاري (٢١٧٢ و ٢١٨٤ و ٢١٨٨ و ٢١٩٢ و ٢٣٨٠)، ومسلم (١٥٣٩).
وحديث جابر رواه مسلم (١٥٣٦) (٨٥).
(٦) أخرجه مسلم (١٥٨٨) (٨٥) في (المساقاة): باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، ولفظه: "الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما" من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.
ووقع في المطبوع بلفظ الجمع: "الدراهم بالدراهم، والدنانير بالدنانير".
(٧) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>