للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القتيل؛ ولذلك لا يُعتمدُ التكليف فيضمن الصبي والمجنون والنائم ما أتلفوه من الأموال، وهذا من الشرائع العامة التي لا تتم مصالح [الأمة] (١) إلا بها؛ فلو لم يضمنوا جنايات أيديهم لأتْلفَ بعضُهم أموالَ بَعْض، وادَّعى الخطأ وعدم القصد. وهذا بخلاف أحكام الإثم والعقوبات؛ فإنها تابعة للمخالفة وكسب العبد ومعصيته؛ ففرَّقت الشريعة فيها بين العامد والمخطئ, وكذلك البِرُّ والحنث في الأيمان فإنه نظير الطاعة والعصيان في الأمر والنهي؛ فيفترق (٢) الحال فيه بين العامد والمخطئ. وأما جمعها بين المكلَّف وغيره في الزكاة فهذه مسألة نزاع واجتهاد، وليس عن صاحب الشرع نصٌّ بالتسوية ولا بعدمها، والذين سوَّوْا بينهما رأوا ذلك من حقوق الأموال التي جعل اللَّه سبحانه الأموال سببًا في ثبوتها (٣)، وهي حقٌّ للفقراء في نفس هذا المال، سواء كان مالكه مكلفًا أو غير مكلف، كما جَعل في ماله حَقَّ الإنفاق على بهائِمه ورقيقِه وأقاربه؛ فكذلك جعل في ماله حقًا للفقراءِ والمساكين (٤).

[فصل [الحكمة في أن الفأرة كالهرة في الطهارة]]

وأما جمعها بين الهِرَّة والفأرة في الطهارة فهذا حق، وأي تفاوت في ذلك؟ وكأن السائل رأى أن العداوةَ التي بينهما تُوجبُ اختلافهما في الحكم كالعداوة التي بين الشاة والذئب، وهذا جهْل منه؛ فإن ذلك أمر لا تعلق له بطهارة ولا نجاسة ولا حِلّ ولا حرمة، والذي جاءت به الشريعة من ذلك في غاية الحكمة والمصلحة؛ فإنها لو جاءت بنجاستهما لكان فيه أعظم حرج ومشقة على الأمة؛ لكثرة طوفانهما على الناس ليلًا ونهارًا وعلى فُرُشهم وثيابهم وأطعمتهم، كما أشار إليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله في الهرة: "إنها ليست بنجس؛ إنها من الطَّوافين عليكم والطوافات" (٥).


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٢) في (ك): "فتفرقت".
(٣) انظر كلامًا جيدًا حول مسألة: هل المغلب في الزكاة أنها حق للَّه أو للآدمي؟ في "الفنون" (١/ ٨٩ - ٩٠) لابن عقيل.
(٤) انظر: "أحكام أهل الذمة" (٢/ ٥٠١ - ٥٠٢).
(٥) الحديث صحيح، رواه أهل "السنن" وغيرهم، وقد تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>