للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به في دينه محرمين ومحللين وموجبين؟ فمن قولهم: "نحن مُوقِنُونَ بذلك" فيقال لهم: فإذا سألَكم: "من أين قلتم ذلك" فماذا جوابكم؟ فإن قلتم: "جوابُنَا إنا حللنا وحَرَّمنا وَقَضَيْنا بما في كتاب "الأصل" لمحمد بن الحسن بما رواه عن أبي حنيفة وأبي يوسف من رأي واختيار، وبما في "المُدَوَّنة" من رواية سحنون عن ابن القاسم من رأي واختيار، وبما في "الأم" من رواية الربيع من رأي واختيار، وبما في جوابات غير هؤلاء من رأي واختيار، وليتكم اقتصرتم على ذلك أو صعدتم إليه أو سَمَتْ هممكم (١) نحوه، بل نزلتم عن ذلك طبقات، فإذا سُئلتم: هل فعلتم ذلك عن أمري أو أمر رسولي؟ فماذا يكون جوابكم إذًا؟ فإن أمكنكم حينئذٍ أن تقولوا: "فعلنا ما أمرتنا به وأمرَنا به رسولك" فُزتْمُ وتخلصتم، وإن لم يمكنكم ذلك فلا بد أن تقولوا: لم تأمرنا بذلك ولا رسولك ولا أئمتنا ولا بد من أحد الجوابين، وكأن قد.

ويقال خامس عشر: إذا نَزَلَ عيسى ابن مريم إمامًا عَدْلًا وحكمًا مقسطًا، فبمذهب من يحكم؟ وبرأي من يقضي؟ ومعلوم أنه لا يحكم و [لا] (٢) يقضي إلا بشريعة نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- التي شَرَعها [اللَّه] (٢) لعباده؟ فذلك الذي يقضي به أحق، وأولى الناس به عيسى ابن مريم هو الذي أوجب عليكم أن تَقْضُوا وتفتوا به (٣)، ولا يحل لأحد أن يقضي ولا يفتي بشيء سواه البتة. فإن قلتم: نحن وأنتم في هذا السؤال سواء، قيل: أجل، ولكن نفترق في الجواب فنقول: يا ربنا إنك لتعلم أنا لم نجعل أحدًا من الناس عيارًا على كلامك وكلام رسولك (٤)، ونرد ما تنازعنا فيه إليه ونتحاكم إلى قوله ونقدم أقواله على كلامك وكلام رسولك وكلام أصحاب رسولك، وكان الخلق عندنا أهون أن نُقَدِّم كلامهم وآراءهم على وَحْيِك، بل أفتينا بما وَجَدْناه في كتابك، وبما وَصَل إلينا من سنة رسولك وبما أفتى به أصحاب نبيك، وإن عَدَلْنا عن ذلك فخطأ منا لا عمد، ولم نتخذ من دونك ولا دون رسولك ولا المؤمنين وَليجَةً، ولم نفرق ديننا ونكون شِيَعًا، ولم نقطِّع (٥) أمرنا بيننا زُبَرًا، وجعلنا أئمتنا قدوة لنا، ووسائط بيننا وبين رسولك في نقلهم ما بلَّغوه إلينا عن رسولك فاتبعناهم في ذلك، وقلدناهم فيه، إذ أمرتنا أنت وأمَرَنَا رسولك بأن


(١) في (ك): "همتكم".
(٢) ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ك).
(٣) في المطبوع: "تقضوا به وتفتوا".
(٤) بعدها في المطبوع: "وكلام أصحاب رسولك".
(٥) في (ق): "نتقطع".

<<  <  ج: ص:  >  >>