للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قلَّدناه؛ وأما أمر رسوله فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر عند الاختلاف بالأخذ بسنته وسنة خلفائه الراشدين المهديين، وأمر أن يُتمسكَ بها، ويُعَضَّ عليها بالنَواجِذ (١)، وقال المقلِّدون: بل عند الاختلاف نتمسك بقول من قلَّدناه، ونقدمه على كل ما عداه، وأما هدْي الصحابة فمن المعلوم بالضرورة أنه لم يكن فيهم شخص واحد يقلد رجلًا واحدًا في جميع أقواله، ويخالف من عداه من الصحابة بحيث لا يردُّ من أقواله شيئًا، ولا يقبل من أقوالهم شيئًا، وهذا من أعظم البِدع وأقبح الحوادث؛ وأما مخالفتهم لأئمتهم فإن الأئمة نهوْا عن تقليدهم وحذروا منه كما تقدم ذكر بعض ذلك عنهم.

وأما سلوكهم ضد طريق أهل العلم فإن طريقهم طلب أقوال العلماء وضبطها والنظر فيها وعرضها على القرآن والسنن الثابتة عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأقوال خلفائه الراشدين، فما وافق ذلك [منها] (٢) قبلوه، ودانوا اللَّه به، وقضوا به، وأفتوا به، وما خالف ذلك منها لم يلتفتوا إليه، وردُّوه، وما لم يتبيَّن لهم كان [عندهم] (٣) من مسائل الاجتهاد التي غايتها أن تكون سائغة الاتباع لا واجبة الاتباع، من غير أن يلزموا بها أحدًا، ولا يقولوا: إنها الحق دون ما خالفها، هذه طريقة أهل العلم سلفًا وخلفًا.

[[الخلف قلبوا أوضاع الدين]]

وأما هؤلاء الخلف فعكسوا الطريق، وقلبوا أوضاع الدين، فزيَّفُوا كتاب اللَّه وسنة رسوله وأقوال خلفائه و [جميع] (٤) أصحابه، فعرضوها على أقوال من قلدوه، فما وافقها منها قالوا: لنا، وانقادوا له مُذْعنين، وما خالف أقوال متبوعيهم (٥) منها قالوا: احتج الخصم بكذا وكذا، ولم يقبلوه، ولم يدينوا به.

واحتالَ فُضَلاؤهم في ردِّها بكل ممكن، وتطلَّبوا لها وجه الحِيل التي تردها، حتى إذا كانت موافقة لمذاهبهم وكانت تلك الوجوه بعينها قائمة فيها شنَّعوا على منازعهم، وأنكروا عليه ردَّها بتلك الوجوه بعينها، وقالوا: لا تُرد النصوص بمثل هذا، ومن له همةٌ تسمو إلى اللَّه ومرضاته ونصرِ (٦) الحق الذي


(١) الحديث سبق تخريجه مطولًا، والحمد للَّه الذي بنعمته تتم الصالحات.
(٢) ما بين المعقوفتين من (ك)، وفي باقي الأصول: "منهم".
(٣) ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ك) و (ق).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٥) في المطبوع: "متبوعهم".
(٦) في (ك): "وتنصر"

<<  <  ج: ص:  >  >>