للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدَعونها لقول أحد كائنًا من كان، وكان ابن عمر يدع قول عمر إذا ظهرت له السنة، وابن عباس يُنكر على من يُعارض ما بلغه من السنة بقوله: قال أبو بكر وعمر، ويقول: يوشك أن تنزلَ عليكم حجارةٌ من السماء، أقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتقولون: قال أبو بكر وعمر (١)!! فرحم اللَّه ابن عباس ورضي عنه، فواللَّه لو شاهد خَلَفَنا هؤلاء الذين إذا قيل لهم: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ قالوا: قال فلانٌ وفلان، لمن لا يُداني الصحابةَ ولا قريبًا من قريب، وإنما كانوا يدَعون أقوالهم لأقوال هؤلاء لأنهم يقولون القول ويقول هؤلاء؛ فيكون الدليل معهم فيرجعون إليهم ويدعون أقوالهم، كما يفعل أهل العلم الذين هو أحبُّ إليهم مما سواه، وهذا عكس طريقة فرقة أهل التقليد من كل وجه، وهذا هو الجواب عن قول مسروق: ما كنت أدع قول ابن مسعود لقول أحد من الناس (٢).

[معنى أمر رسول اللَّه باتباع معاذ]

الوجه الأربعون: قولهم: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قد سَنَّ لكم معاذٌ فاتبعوه" (٣) فعجبًا لمحتج بهذا على تقليد الرجال في دين اللَّه، وهل صار ما سَنَّه معاذ سنة إلا بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فاتبعوه" كما صار الأذان سنة بقوله وإقراره وشرعه (٤)، لا بمجرد المنام.


(١) روى أحمد في "مسنده" (١/ ٣٣٧)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" رقم (٢٣٧٨ و ٢٣٨١) من طريق شريك عن الأعمش عن فضيل بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال. . . ثم جاء فيه: أراهم سيهلكون، أقول قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ويقولون قال أبو بكر وعمر؟!
وهذا إسناد ضعيف، شريك هو ابن عبد اللَّه القاضي ضعفوه، لسوء حفظه.
وروى الطبراني في "معجمه الأوسط" (رقم ٢١) من طريق إبراهيم بن أبي عبلة عن ابن أبي مليكة عن عروة بن الزبير أنه أتى ابن عباس فقال: فقد كان أبو بكر وعمر ينهيان عن ذلك، فقال: أهما -ويحك- آثر عندك أم ما في كتاب اللَّه وما سن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أصحابه، وفي أمته!
قال الهيثمي في "المجمع" (٣/ ٣٣٤): وإسناده حسن.
ونسب ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" رقم (٢٣٧٧) لعبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال: قال عروة لابن عباس. . . فقال ابن عباس: واللَّه ما أراكم منتهين حتى يعذبكم اللَّه؛ نحدثكم عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتحدثونا عن أبي بكر وعمر. . . وهذا إسناد صحيح.
(٢) مضى تخريجه.
(٣) مضى تخريجه.
(٤) حديث رؤية الأذان في المنام هو حديث عبد اللَّه بن زيد وله طرق عن عبد اللَّه أحدها: =

<<  <  ج: ص:  >  >>