للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه شهرًا فأفتاهم برأيه ثم بَلَغه النص بمثل ما أفتى به (١).

[[ما خفي على غير الصحابة أكثر مما يخفى على الصحابة]]

وهذا باب واسع لو تتبعناه لجاء سِفرًا كبيرًا، فنسأل حينئذ فرقة التقليد: هل يجوز أن يخفى على من قلدتموه بعض شأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كما خفي ذلك على سادات الأمة أولًا؟ فإن قالوا: "لا يخفى عليه" وقد خفي على الصحابة مع قرب عهدهم؛ بلغوا في الغلو مبلغ مُدّعِي العصمة في الأئمة، وإن قالوا: "بل يجوز أن يخفى عليهم" وهو الواقع وهم مراتب في الخفاء في القلة والكثرة، [قلنا] (٢): فنحن نناشدكم اللَّه الذي هو عند لسان كل قائل وقلبه، وإذا قضى اللَّه ورسوله أمرًا خفي على من قلدتموه هل تبقى لكم الخيرة بين قبول قوله ورده أم تنقطع خيرتكم وتوجبون العمل بما قضاه اللَّه ورسوله عينًا لا يجوز سواه؟ فأعدوا لهذا السؤال جوابًا، وللجواب صوابًا؛ فإن السؤال واقع؛ والجواب لازم. والمقصود أن هذا هو الذي مَنَعنا من التقليد، فأين معكم حجة واحدة تقطع العذر وتسوغ لكم ما ارتضيتموه لأنفسكم من التقليد؟

[[بطلان دعوى المقلدة]]

الوجه الثاني: أن قولكم: "صواب المقلد في تقليده لمن هو أعلم منه أقرب من صوابه في اجتهاده" دعوى باطلة؛ فإنه إذا قلد من قد خالَفه غيرُه ممن هو نظيره أو أعلم منه لم يدر على صوابٍ هو من تقليدِه أم على خطأ، بل هو -كما


= (المغازي): باب غزوة خيبر، ومسلم (١٩٣٩) في (الصيد والذبائح): باب تحريم أكل لحم الحمر الأنسية من حديثه قال: لا أدري إنما نهى عنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أجل أنه كان حمولة الناس؛ فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرمه في يوم خيبر لحم الحمر الأهلية.
وروى البخاري (٥٥٢٩) في (الذبائح والصيد): باب لحوم الحمر الإنسية، قال جابر بن زيد: يزعمون أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الحمر الأهلية، فقال: قد كان يقول ذلك: الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة، ولكن أَبى ذلك البحر ابن عباس وقرأ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا}، وانظر: "فتح الباري" (٩/ ٦٥٥) في شرح الحديث الثاني عن ابن عباس. .
(١) مضى تخريجه وقارن الأمثلة السابقة بما في "الإحكام" (٦/ ٨٥ وما بعد) و"الرسالة" للشافعي (ص ٤٢٢ وما بعد).
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>