للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجب تقليد من قلّدناه دون غيره من الأئمة الذين هم مثله أو أعلم منه، كان أقل ما في ذلك معارضة قولكم بقول الفرقة الأخرى في ضرب هذه الأقوال بعضها ببعض، ثم يقال: ما الذي جَعل متبوعَكم أولى بالتقليد من متبوع الفرقة [الأخرى]؟ (١) بأي كتاب أم بأية (٢) سنة؛ وهل تقطعت (٣) الأمة أمرها بينها زُبُرًا وصار {كُلُّ [حِزْبٍ] (٤) بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: ٥٣] إلا بهذا السبب؟ فكل طائفة تدعو إلى متبوعها وتنْأى عن غيره وتنهى عنه، وذلك مُفْضٍ إلى التفريق بين الأمة، وجعل دين اللَّه تابعًا للتشهي والأغراض وعُرضة للاضطراب والاختلاف، وهذا كله يدل على أن التقليد ليس من عند اللَّه للاختلاف الكثير الذي فيه، ويكفي في فساد هذا المذهب تناقض أصحابه ومعارضة أقوالهم بعضها ببعض، ولو لم يكن فيه من الشناعة إلا إيجابهم تقليد صاحبهم وتحريمهم تقليد الواحد من أكابر الصحابة كما صرَّحوا به في كتبهم.

[[إيجاب المقلدين تقليد أئمتهم وتحريم تقليد غيرهم]]

الوجه الحادي والثمانون (٥): أن المقلِّدين حَكَموا على اللَّه قدرًا وشرعًا بالحكم الباطل جهارًا المخالف لما أخبر به رسوله فأخلوا الأرض من القائمين للَّه بحجة (٦)، وقالوا: لم يبقَ في الأرض عالمٌ منذ الأعصار المتقدمة؛ فقالت طائفة: ليس لأحد أن يختار بعد أبي حنيفة وأبي يوسف وزُفَر بن الهُذيل ومحمد بن الحسن والحسن بن زياد اللؤلؤي وهذا قول كثير من الحنفية، وقال بكر بن العلاء القُشيري المالكي (٧): ليس لأحد أن يختار بعد المئتين من الهجرة، وقال آخرون: ليس لأحد أن يختار بعد الأوزاعي وسفيان الثوري ووكيع بن الجرَّاح وعبد اللَّه بن المبارك، وقالت طائفة: ليس لأحد أن يختار بعد الشافعي، واختلف المُقلِّدون من أتباعه فيمن يؤخذ بقوله من المنتسبين إليه ويكون له وجه يُفتي ويحكم به ومَنْ (٨) ليس كذلك، وجعلوهم ثلاث مراتب: طائفةٌ أصحابُ وجوه كابن سُريج (٩) والقَفَّال


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٢) في (ق): "بأي".
(٣) المثبت من (ق) وفي باقي النسح: "قطعت".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) في (ق) و (ك): "الثمانون".
(٦) في المطبوع: "بحججه".
(٧) له ترجمة في "ترتيب المدارك" (٢/ ٢٩٠ - ط مكتبة الحياة).
(٨) المثبت من (ق) وفي باقي النسح: "من".
(٩) في (ن): "كابن شريح".

<<  <  ج: ص:  >  >>