للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الهبة [لكل أحد] إلا للوالد (١) برأي متشابه فاسد اقتضى عكس السنة وأنه يجوز الرجوع في الهبة لكل أحدٍ إلا لوالدٍ أو لذي رَحم محرم أو لزوج أو زوجة أو يكون الواهب قد أُثيب منها، ففي هذه المواضع الأربعة يمتنع الرجوع وفرَّقوا بين الأجنبي والرحم بأن هبةَ القريب صلةٌ، ولا يجوز قطعها، وهبة الأجنبي تبرّع، وله أن يمضيه وأن لا يمضيه، وهذا مع كونه مصادمًا للسنة مصادمة محضة فهو فاسد؛ لأن الموهوبَ له حين قَبضَ العَينَ الموهوبة دَخَلت في مُلكه، وجاز له التصرّف فيها؛ فرجوع الواهب فيها انتزاع لملكه منه بغير رضاه، وهذا باطل شرعًا وعقلًا، وأما الوالد فولده جزء منه، وهو وماله لأبيه (٢)، وبينهما من البعضية ما يوجب شدة الاتصال، بخلاف الأجنبي.

فإن قيل: لم نخالفه إلا بنصٍّ صريح صحيح، وهو حديث سالم عن أبيه عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ وَهَبَ هبةً فهو أحقُّ بها ما لم يَثُبْ منها" (٣)، قال البيهقي: قال لنا أبو


(١) رواه أحمد (٢/ ٢٧ و ٧٨)، وأبو داود (٣٥٣٩) في "البيوع والإجارات": باب الرجوع في الهبة، والترمذي (١٢٩٩) في (البيوع): باب ما جاء في الرجوع في الهبة، والنسائي (٦/ ٢٦٥) في (الهبة): باب رجوع الوالد فيما يعطي ولده، و (٦/ ٢٦٧ و ٢٦٨) في باب ذكر الاختلاف على طاوس في الراجع في هبته، وابن ماجه (٢٣٧٧) في (الهبات): باب من أعطى ولده ثم رجع فيه، وابن الجارود (٩٩٤)، وأبو يعلى (٢٧١٧)، وابن حبان (٥١٢٣)، والدارقطني (٣/ ٤٢ - ٤٣)، والحاكم (٢/ ٤٦)، والبيهقي (٦/ ١٧٩) من حديث حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عباس وابن عمر.
وسنده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمرو بن شعيب، فقد روى له أصحاب السنن وهو ثقة.
وما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٢) كما ورد في الحديث الصحيح، وتقدم تخريجه.
(٣) رواه الدارقطني (٣/ ٤٣)، وفي "العلل" (٢/ ٥٨)، والحاكم في "المستدرك" (٢/ ٥٢)، والبيهقي في "سننه الكبرى" (٦/ ١٨٠ - ١٨١)، وابن الجوزي في "التحقيق" (٨/ ١٦٠ رقم ١٨٦٤ - ط قلعجي) من طريق عبيد اللَّه بن موسى: أنبانا حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد اللَّه عن ابن عمر مرفوعًا به.
قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، إلا أن نكل الحمل فيه على شيخنا"، ولم يتعقبه الذهبي بشيء في المطبوع، أما المناوي فقال في "فيض القدير": "وقفت على نسخة من تلخيص "المستدرك" للذهبي بخطه، فرأيته كتب على الهامش بخطه ما صورته: موضوع"، ولم ينقل ذلك ابن الملقن.
قلت: شيخ الحاكم هذا متابع، وإنما الخطأ فيه من عبيد اللَّه بن موسى. =

<<  <  ج: ص:  >  >>