للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهدي (١)، بأنها خلاف الأصول، إذ الإشعار مُثْلة (٢)، ولعمرُ اللَّه إن هذه السنة خلاف الأصول الباطلة، وما ضرَّها ذلك شيئًا، والمثلة المحرمة هي العدوان الذي لا يكون عقوبة ولا تعظيمًا لشعائر اللَّه، فأما شَقُّ صفحة سَنَام البعير المستحب أو الواجب ذبحه ليسيل دمه قليلًا فيظهر شعار الإسلام وإقامة هذه السنة التي هي من أحب الأشياء إلى اللَّه فعلى وِفْق الأصول، وأي كتاب أو سنة حَرَّم ذلك حتى يكون خلافًا للأصول؟ وقياس الإشعار على المثلة المحرمة من أفسد قياسٍ على وجه الأرض، فإنه قياس ما يحبُّه اللَّه ويرضاه على ما يُبغضه ويسخطه ويَنهى عنه، ولو لم يكن في حكمة الإشعار إلّا تعظيم شعائر اللَّه وإظهارها وعلم الناس أن (٣) هذه قرابين اللَّه عز وجل تُساق إلى بيته تُذبح له ويُتقرّب بها إليه عند بيته كما يتقرب إليه بالصلاة إلى بيته عكس ما عليه أعداؤه المشركون الذين يذبحون لأربابهم ويصلّون لها، فشرع لأوليائه وأهل توحيده أن يكون نسكهم وصلاتهم للَّه وحده، وأن يظهروا شعائرَ توحيده غاية الإظهار ليُعلوا دينه على كل دين، فهذه هي الأصول الصحيحة التي جاءت السنة بالإشعار على وفقها (٤)، وللَّه الحمد.


= (٣/ ١٨٩)، "مختصر الخلافيات" (٣/ ٢٦٤/ رقم ٧٨)، "حلية العلماء" (٣/ ٣٦٤).
وهو مذهب الحنابلة.
انظر: "المغني" (٥/ ٤٥٤)، "الإنصاف" (٤/ ١٠١)، "منتهى الإرادات" (١/ ٦١٠)، "تنقيح التحقيق" (٢/ ٤٩١)، "الإفصاح" (١/ ٣٠٢) لابن هبيرة.
(١) ورد من حديث عائشة: رواه البخاري (١٦٩٦) في (الحج): باب من أشعر وقلّد بذي الحليفة ثم أحرم، و (١٦٩٩): باب إشعار البدن، ومسلم (١٣٢١ بعد ٣٦٢) في (الحج): باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه.
ومن حديث ابن عباس: رواه مسلم (١٢٤٣) في (الحج): باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام.
(٢) قيل: إنّ كراهة أبي حنيفة الإشعار، إنما كان من أهل زمانه، فإنهم كانوا يبالغون فيه، بحيث يخاف سراية الجراحة، وفساد العضو، كذا في "اللمعات"، من "مرعاة المفاتيح" (٧/ ١٧)، ومذهب أبي يوسف ومحمد جوازه. وانظر: "الأصل" (٢/ ٤٩٢ - ٤٩٣)، "مختصر اختلاف العلماء" (٢/ ٧٢)، "شرح معاني الآثار" (٢/ ٢٦٤)، "مختصر الطحاوي" (٧٣)، "الاختيار" (١/ ١٧٥)، "المبسوط" (٤/ ١٣٨)، "تحفة الفقهاء" (١/ ٤٠٠)، "شرح فتح القدير" (٢/ ٥١٧ و ٣/ ٨)، "البناية" (٣/ ٦٤٠).
(٣) في المطبوع: "بأن".
(٤) يدلّ الحديث على أن الإشعار سنة، وبه قال الجمهور، ومنهم الأئمة الثلاثة، كما =

<<  <  ج: ص:  >  >>