للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حق، ولم يأت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سنة تخالفه ألبتّة، ولهذا رجع أبو يوسف إلى ذلك كلّه بحضرة الرشيد لمّا ناظره مالك (١) وتبيّن له الحق، فلا يلحق بهذا عملهم من طريق الاجتهاد، ويُجعل ذلك نقلًا متصلًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتُترك له السنن الثابتة، فهذا لون [وذلك] (٢) لون، وبهذا التمييز والتفصيل يزول الاشتباه ويظهر الصواب.

[[العمل في المدينة بعد انقراض عصر الصحابة]]

ومن المعلوم أن العمل بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين والصحابة بالمدينة كان بحسب مَنْ فيها من المفتين والأمراء والمحتسبين على الأسواق، ولم تكن الرعية تُخالف هؤلاء، فإذا أفتى المفتون نفَّذه الوالي، وعمل به المُحتسب، وصار عملًا، فهذا هو الذي لا يُلتفت إليه في مخالفة السنن، لا عمل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وخلفائه والصحابة فذاك هو السنة، فلا يُخلط أحدهما بالآخر، فنحن لهذا العمل أشدُّ تحكيمًا، وللعمل الآخر إذا خالف السنة أشدُّ تركًا، وباللَّه التوفيق.

وقد كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يفتي وسليمان بن بلال المحتسب ينفِّذ فتواه فتعمل الرعية بفتوى هذا وتنفيذ هذا، كما يطّرد العمل في بلد أو إقليم ليس فيه إلّا قول مالك على قوله وفتواه، ولا يجوِّزون العمل هناك بقول غيره من أئمّة الإسلام، فلو عمل به أحد لاشتدّ نكيرهم عليه، وكذلك [كل] (٣) بلد أو إقليم لم يظهر فيه إلّا مذهب أبي حنيفة، فإن العمل المستمر عندهم على قوله، وكل طائفة اطرد عندهم عمل [من] (٤) وصل إليهم قوله ومذهبه ولم يألفوا غيره.

ولا فرق في هذا العمل بين بلد وبلد، والعمل الصحيح ما وافق (٥) السنة.

[[تغير عمل أهل المدينة من عصر إلى عصر]]

وإذا أردت وضوح ذلك فانظر العمل في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في جهره بالاستفتاح في الفرض في مصلَّى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وعمل الصحابة به (٦)، ثم العمل في زمن مالك بوصل التكبير بالقراءة من غير


(١) انظر تفصيل ذلك في "حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي" (ص ٢٩).
(٢) في (ق) و (ك): "وذاك".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٥) في (ن) و (ك): "ما وافقته".
(٦) رواه مسلم في "صحيحه" (٣٩٩) (٥٢) في "الصلاة": باب حجة من قال: لا يجهر =

<<  <  ج: ص:  >  >>