للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعلوم أن الشريعة لا تأتي بسوى هذا القسم الثامن.

[الرّد على القائلين بالتقدير الأول]

فإن القسم الأول وإن قاله مَنْ قال من الفقهاء (١) فلا يتوجه هاهنا؛ لأن هذا الذي قالوه متوجّه فيمن أمكنها الطواف ولم تطف، والكلام في امرأة لا يمكنها الطواف ولا المقام لأجله، وكلام الأئمة والفقهاء هو مطلق كما يتكلمون في نظائره، ولم يتعرضوا لمثل هذه الصور التي عمَّت بها البَلْوَى، ولم يكن ذلك في زمن الأئمة، بل قد ذكروا أن المكريَّ يلزمه المقام والاحتباس عليها لتطهرَ ثم تطوف، فإنه كان ممكنًا بل واقعًا في زمنهم، فأفتوا بأنها لا تطوف حتى تطهير لتمكّنها من ذلك، وهذا لا نِزاعَ فيه ولا إشْكَال؛ فأما في هذه الأزمان فغير ممكن، وإيجابُ سفرين كاملين في الحج من غير تفريط من الحاج ولا سبب صدَر منه يتضمن إيجاب حجّتين إلى البيت، واللَّه تعالى إنما أوجب حجة واحدة، بخلاف مَنْ أفسد الحج فإنه قد فَرَّطَ بفعل المحظور، وبخلاف مَنْ ترك طواف الزيارة أو الوقوف بعرفة فإنه لم يفعل ما يتم به حجَّه (٢)، وأما هذه فلم تُفَرّط ولم تترك ما أُمِرَت به فإنَّها لم تؤمر بما لا تقدر عليه، وقد فعلت ما تقدر عليه؛ فهي بمنزلة الجُنب إذا عجز عن الطهارة الأصليّة والبدلية وصلَّى على حسب حالة، فإنه لا إعادة عليه في أصح الأقوال (٣)، وأيضًا فهذه قد لا يمكنها السفر مرة ثانية، فإذا قيل (٤): إنها تبقى مُحْرمة إلى أن تموت، فهذا ضرر لا يكون مثله في دين الإِسلام، بل يُعلم بالضرورة (٥) أن الشريعة لا تأتي به.

فصل [الرّد على القائلين بالتقدير الثاني]

وأما التقدير الثاني -وهو سقوط طواف الإفاضة- فهذا مع أنه لا قائل به فلا


(١) في (ن) و (ك) و (ق): "وإن قاله من قاله".
(٢) كذا في (و) و (ن) و (ك) و (ق)، وفي سائر النسخ: "ما يتم حجّته".
(٣) وهذا اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه- انظر له: "شرح العمدة" (٣/ ٥٨٢ وما بعد)، و"مجموع الفتاوى" (٢٦/ ١٢٦، ١٧٦، ١٩٩ - ٢٤٧) و"العقود الدرية" (ص ٣٢٣)، وانظر في المسألة: "الفروع" (٣/ ٥٠١)، و"المبدع" (٣/ ٢٢١)، و"كشاف القناع" (٢/ ٤٨٥).
(٤) في (و): "إذا قيل".
(٥) في (و): "بل بعلم الضرورة".

<<  <  ج: ص:  >  >>