للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاصد للتكلم باللفظ وهَزْله لا يكون عذرًا له، بخلاف المكره والمخطئ والناسي فإنه معذور مأمور بما يقوله أو مأذون له فيه، والهازل غير مأذون له في الهزل بكلمة الكفر والعقود؛ فهو متكلم باللفظ مريد له ولم يصرفه عن معناه إكراه ولا خطأ ولا نسيان ولا جهل، والهَزَل لم يجعله اللَّه ورسوله عذرًا صارفًا، بل صاحبه أحق بالعقوبة، ألا ترى أن اللَّه تعالى عَذَرَ المكره في تكلمه بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنًا بالإيمان، ولم يعذر الهازل بل قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: ٦٥، ٦٦] وكذلك (١) رفع المؤاخذة عن المخطئ والناسي.

[فصل [تعليق الطلاق بشرط مضمر]]

ومن ذلك أنه لو قال: "أنت طالق" وقال: أردتُ إنْ كَلَّمتِ رجلًا أو خرجت من داري، لم يقع به الطلاق في أحد الوجهين لأصحاب أحمد والشافعي، وكذلك لو قال: أردت إنْ شاء اللَّه، ففيه وجهان لهم، ونص الشافعي فيما لو قال: "إن كَلَّمَتُ زيدًا فأنت طالق" ثم قال: أردت به إلى شهر، فكلَّمه بعد شهر، لم تطلق باطنًا، ولا فرق بين هذه الصورة والصورتين اللتين قبلها، فإن التقييد بالغاية المنوية كالتقييد بالمشيئة المنوية، وهو أولى بالجواز من تخصيص العام بالنية، كما إذا قال: "نسائي طَوَالق" واستثنى بقلبه واحدة منهن، فإنه إذا صح الاستثناء بالنية في إخراج ما يتناوله (٢) اللفظ صح التقييد (٣) بالنية بطريق الأولى؛ فإن اللفظ لا دلالة له بوضعه على عموم الأحوال والأزمان، ولو دل عليها بعمومه فإخراجُ بعضها تخصيصٌ للعام، وهذا ظاهر جدًا، وغايته استعمالُ العام في الخاص أو المُطْلَق في المقيد، وذلك غير بِدْع لغة وشرعًا وعرفًا، وقد قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما معاويةُ فصعلوكٌ لا مالَ له، وأما أبو الجهم فلا يَضَعُ عصاه عن عاتقه" (٤) فالصواب قبول مثل هذا فيما بينه وبين اللَّه وفي الحكم أيضًا.


(١) في (ق) و (ك): "ولذلك".
(٢) في (ك): "تناوله".
(٣) في (و): "التعيين".
(٤) رواه مسلم (١٤٨٠) في (الطلاق): باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، من حديث فاطمة بنت قيس.

<<  <  ج: ص:  >  >>