للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


=وإذا كان العرف في بلد على ذلك تتعين الفُتيا به وبصحة الاستثناء كما تقدم، أما إذا تغير العرف مطلقًا، أو في بلد دون بلد امتنعت الفُتيا به حالة عَدِمَ العُرف عند من عَدِم عنده العرف.
واليوم بمصر والقاهرة لم نجدهم على هذا العرف، بل نجدهم يطلقون (الحرام) على أصل الطلاق. أما العدد والثلاث فلم نجد ذلك. والحكم ينتفي لانتفاء مدركه إجماعًا. فكل من أفتى اليوم عندنا بالثلاث فهو مخالف للإجماع.
ومما ينبّهك على هذه القاعدة أن كل زمان تحمل معاملات أهله عند الإطلاق على النقد المتعارف في ذلك الوقت، فإذا حدثت سكة أخرى امتنعت الفتيا بالسكة الأولى ويعينها على المشتري عند الإطلاق إذا اشتهرت الثانية. وكذلك إذا احلف أو أوصى أو أقر بدراهم أو غيرها حمل عند الإطلاق على العادة، فإذا تغيرت العادة تغيرت الفتيا. وهذا أمر مجمع عليه.
وإياك أن يخطر لك أن هذه اللفظة تدل على هذا المعنى لغة؛ لأني أطرفك بشيء، وهو أن قول القائل: أنت طالق ثلاثًا لا يدل على إزالة العصمة بالعدد الخاص لغة، لحصول الاتفاق على أن أصل صيغ الطلاق والعتاق والعقود في المعاملات -نحو: بعت واشتريت- للإخبار، ثم انتقلت في العرف لإنشاء هذه الأحكام.
ولو خُليّنا وموجب اللغة لكان معنى كلامه (أنت طالق ثلاثًا) الإخبار عن ذلك قد تقدم لها قبل هذا النطق؛ لأن الإخبار يقتضي تقدم استقرار المخبر عنه، وهي لم يستقر لها طلاق قبل هذا، فكان إخبارًا كذبًا لا يلزمه به شيء.
وكذلك لو جاءنا وقال: قصدت الإخبار كذبًا لم يلزمه شيء في الفتيا دون القضاء، وإنما الموجب للزوم هذه الأحكام عن هذه الصيغ النقل العرفي.
وكذلك لو قال: أنت طالق، لزمه الطلاق، ولو قال: أنت منطلقة لم يلزمه شيء إلا أن ينوي به الطلاق، مع أن الطاء واللام والقاف مشترك بين الصيغتين، غير أن (أنت طالق) في العرف موضوع للإنشاء، و (أنت منطلقة) بقي على أصل الخبرية فلا جرم لم يُفد إزالة العصمة؛ لأنه لم يوضع لها في العرف.
فلو انعكس الحال في بعض الأزمنة أو بعض البلاد فصار (طالق) مهجورًا غير مستعمل في إزالة العصمة إلا على وجه الندرة، و (منطلقة) موضوعًا لذلك، ألزمناه الطلاق بمنطلقة بغير نية، ولم نلزمه الطلاق بطالق إلا بالنية وكذلك جميع الألفاظ لا أخص بهذا لفظًا دون لفظ.
وليس في لغة العرب على الإطلاق ما يقتضي إزالة عصمة أحد عن امرأته. إنما فيها الإخبار عن الازالة. وفرق بين موجب الإزالة والإخبار عن الإزالة. والكلام إنما هو في الأول دون الثاني، وليس الأول في اللغة البتة في لفظ من الألفاظ وإنما يوجد ذلك في الألفاظ العرفية خاصة.
فتأمل ذلك، فإن كثيرًا من الفقهاء يجوز أن تكون هذه الألفاظ تدل على هذه الأحكام لغة بسبب عدم معرفتهم بقواعد الشريعة وقواعد اللغة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>