للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُفتي بها بالطلاق الثلاث بناء على أنه العرفُ المستمر الجاري الذي حصل عِلْمه والقصدُ إليه عند كل حالف بها، ثم ذكر اختلافَ المغاربة: هل يلزم فيها الطلاقُ الثلاث أم (١) الواحدة؟ ثم قال: والمعتمدُ عليه فيها الرجوعُ إلى عُرْف الناس وما هو المعلوم عندهم في هذه الأيمان، فإذا ثبت فيها عندهم شيء وقصدوه وعرفوه واشتهر بينهم وجب أن يَحْمِلوه عليه (٢)، ومع الاحتمال يرجع إلى الأصل الذي هو اليمين باللَّه؛ إذ لا يُسمّى غير ذلك يمينًا، فيلزم الحالف بها كفارة ثلاثة أيمان، قال: وعلى هذا كان يُعوِّل (٣) أهل التحقيق والإنصاف من شيوخنا.

[[القول بإجزاء كفارة واحدة هو رأي الصحابة]]

قلت: ولإجزاء الكفارة الواحدة فيها مَدْرَك آخر أفقه من هذا، وعليه تدل فتاوى الصحابة -رضي اللَّه عنهم- صريحًا في حديث ليلى بنت العجماء المتقدم (٤)، وهذه الالتزامات الخارجة مخرج اليمين إنما فيها كفارة يمين بالنَّص والقياس واتفاق الصحابة كما تقدم، فموجَبُها كلها شيء واحد ولو تعدد المحلوف به، وصار هذا نظير ما لو حلف بكل سورة من القرآن على شيء واحد فعليه كفارة يمين لاتحاد المُوجب وإن تعدَّد السبب، ونظيره ما لو حلف بأسماء الرب تعالى وصفاته فكفارة واحدة، فإذا حلف بأيْمان المسلمين أو الأيمان كلها أو الأيمان اللازمة أو أيمان البيعة أو ما (٥) يحلف به المسلمون لم يكن ذلك بأعظم مما لو حَلَف بكل كتاب أنزله اللَّه أو بكل اسم (٦) من أسماء اللَّه أو صفة من صفات اللَّه، فإذا أجزأ في هذه (٧) كفارة يمين مع حرمة هذه اليمين وتأكدها فَلأن تُجزئ الكفارة في هذه الأيمان بطريق الأوْلَى والأحرى، ولا يليق بهذه الشريعة الكاملة الحكيمة التي لم يطرق العالمَ شريعةٌ أكملُ منها غيرُ ذلك، وكذلك أفتى به أفقهُ الأمّةِ وأعلمهم بمقاصد الرسول ودينه وهم الصحابة.

[[اختلاف الفقهاء بعد الصحابة]]

واختلف الفقهاء بعدهم، فمنهم من يُلزم الحالف بما التزمه من جميع الالتزامات كائنًا ما كان، ومنهم من لا يلزمه بشيء منها ألبتَة لأنها أَيمانٌ غير


(١) في (د)، و (ط): "أو".
(٢) في (ن) و (ك) و (ق): "أن يحملوا عليه".
(٣) في المطبوع و (ك): "يقول".
(٤) انظره (ص ٤٣٨ - ٤٣٩).
(٥) في (ط)، و (د): "بما".
(٦) في (ك): "أسماء".
(٧) في (ك) و (ق): "هذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>