للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هكذا يتضح لنا أن ابن القيم قد انتفع بالقياس الفقهي. وكان قياسه أحكم لأنه كان يوائم من الأقيسة وما أوتي من علم واسع شامل بالسنة وفتاوى الصحابة وأقضيتهم وطرائق استنباطهم، فهو قياس يستقي من ينابيع الأثر، ويشاكل تمام المشاكلة اجتهاد السلف الذي هو المشكاة لهم.

ونجد في أقيسة ابن القيم أمرين:

- أنه نظر في الأحاديث التي زعم الحنفية وغيرهم أنها ليست متفقة مع القياس، وأنها استثناء يؤخذ بها إن لم يعارضها، وبين اتفاقها مع القياس وعدم بعدها عن مراميه وغاياته.

- أنه نظر في الأوصاف المشتركة بين الفرع والأصل في أقيستهم نظرة جامعة كلية. فاتجه إلى المقاصد الشرعية السامية التي تتجه إلى إيجاد جماعة فاضلة، تقوم على رعاية المصالح ودفع الأضرار في حياة دينية وخلقية تستمد النور من السماء.

ونرى من هذا أن ابن القيم قد خص القياس ببيان أوفى، سلك فيه مسلك السلف الصالح وخاض فيه على ضوئهم، وبين مرامي الأقيسة التي نقلت في فروع الإمام أحمد، ووضح المقاصد التي سيقت لها الأحكام، وعرج في ذلك على مقاصد الشريعة وغايات الأحكام فيها، وهو في ذلك يوضح مناهج الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، دون أن ننسى الإشارة إلى أن لشيخه أسبقيةً في ذلك.

فابن القيم إذًا قد أفاد عمَلَه في القياس الفقهي اتساعًا في أبوابه، وسموًّا في غاياته، ونموًا في طرائقه، كما استفادت الآثار منه مدافعًا، يبيِّن غايتها ومقاصدها واتفاقها مع ما تنتجه المقاييس العقلية السليمة، وأفاد الاستنباط الفقهي عمومًا، فاستبان الشرع الإسلامي متجانسًا غير متنافر، فالأحكام الشرعية تشتمل على التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين (١).

* عنايته بمحاسن الشريعة وحِكَمها (٢):

اعتبر ابن القيم رحمه اللَّه معرفة حكمة الشريعة وأسرارها ومقاصدها ومحاسنها رأس أمر الفقه وذروة سنامه.


(١) "ابن القيم أصوليًا" (١٩٣).
(٢) انظر في ذلك أيضًا: "الحدود والتعزيرات عند ابن القيم" (ص ٩)، و"أحكام الجناية على النفس وما دونها عند ابن قيم الجوزية" (ص ١٢ - ١٣) كلاهما للشيخ بكر أبو زيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>