للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل [صيغ العقود إخبار عما في النفس من المعنى الذي أراده الشارع]]

ومما يوضح ما ذكرناه -من أن القصود في العقود معتبرة دون (١) الألفاظ المجردة التي لم يقصد بها معانيها وحقائقها أو قصد غيرها- أن صيغ العقود كبعتُ واشتريتُ وتزوَّجتُ وَأجَّرتُ إما إخباراتٌ وإما إنشاءاتٌ، وإما أنها متضمنة للأمرين فهي إخبارات عما في النفس من المعاني التي تدل على العقود وإنشاءات لحصول العقود في الخارج؛ فلفظَها موجِبٌ لمعناه في الخارج؛ وهي إخبار عمَّا في النفس من تلك المعاني، [ولا بد في صحتها من مطابقة خبرها لمخبرها، فإذا لم تكن تلك المعاني] (٢) في النفس كانت خَبَرًا كاذبًا، وكانت بمنزلة قول المنافقِ: أشهد أن محمدًا رسول اللَّه، وبمنزلة قوله: آمنت باللَّه وباليوم الآخر، وكذلك المُحلِّل إذا قال: "تزوجت" وهو لا يقصد بلفظ التزوج المعنى الذي جعله اللَّه في الشرع كان إخبارًا كاذبًا وإنشاءً باطلًا؛ فإنا نعلم أن هذه اللفظة لم تُوضَعْ في الشرع ولا في العرف ولا في اللغة لمن قصد رَدَّ المطلقة إلى زوجها، وليس له قصد في النكاح الذي وضعه اللَّه بين عباده وجعله سببًا للمودة (٣) والرحمة بين الزوجين، وليس له قصد في توابعه حقيقة ولا حكمًا، فمَنْ ليس له قصد في الصحبة ولا في العشرة ولا [في] (٤) المصاهرة ولا [في] (٤) الولد ولا [في] (٤) المواصلة ولا المعاشرة ولا الإيواء، بل قصده أن يفارق لتعود إلى غيره؛ فاللَّه جعل النكاح سببًا للمواصلة والمصاحبة والمحلل جعله سببًا للمفارقة، فإنه تزوج ليطلق؛ فهو مناقض لشرع اللَّه ودينه وحكمته، فهو كاذب في قوله: "تزوجت"، بإظهار خلاف ما في قلبه، وبمنزلة من قال لغيره: وكَّلْتُكَ أو شاركتك أو ضاربتك أو ساقيتك وهو يقصد رَفْعَ هذه العقود وفَسْخَها.

[[العقود إخبارات وإنشاءات]]

وقد تقدم أن صيغ العقود إخبارات عمَّا في النفس من المعاني التي هي أصل العقود ومبدأ الحقيقة التي بها يصير اللفظ كلامًا معتبرًا؛ فإنها لا تصير كلامًا


(١) تحرفت في (ن) و (ك) و (ق) إلى: "وأن"!
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٣) في (ك): "سبب للمودة".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>