للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هؤلاء كلها هَدَر كما دل عليه الكتاب والسنة والميزان وأقوال الصحابة، وإن كان قاصدًا للتكلم بها فإما أن يكون عالمًا بغاياتها (١) متصورًا لها أو لا يدري معانيها (٢) ألبتة بل هي عنده كأصوات يَنْعَقُ بها؛ فإن لم يكن عالمًا بمعناها ولا متصورًا له لم يترتب عليه (٣) أحكامها أيضًا، ولا نزاع بين أئمة الإسلام في ذلك، وإن كان متصورًا لمعانيها عالمًا بمدلولها فإما أن يكون قاصدًا لها أو لا؛ فإن كان قاصدًا لها ترتبت أحكامها في حقه ولزمته، وإن لم يكن قاصدًا لها فإما أن يقصد خلافها أو لا يقصد لا معناها ولا غيرَ معناها؛ فإن لم يقصد غيرَ التكلم به فهو الهازل ونذكر حكمه، وإن قصد غير معناها فإما أن يقصد ما يجوز له قصده أو لا؛ فإن قصد ما يجوز له قصده نحو أن يقصد بقوله: "أنت طالق" من زوج كان قبلي، أو يقصد بقوله: "أمتي -أو عبدي حر" أنه عفيفٌ عن الفاحشة، أو يقصد بقوله: "امرأتي عندي مثل أمي" في الكرامة والمنزلة، ونحو ذلك، لم تلزمه أحكام هذه الصيغ فيما بينه وبين اللَّه تعالى، وأما في الحكم فإن اقترَنَ بكلامه قرينة تدل على ذلك لم يلزمه أيضًا؛ لأن السياق والقرينة بيّنة تدل على صدقه، وإن لم يقترن بكلامه قرينة أصلًا وادعى ذلك دَعوَى مجردة لم تُقبل منه، وإن قصد بها ما لا يجوز قَصْدُه، كالتكلّم (٤) بنكحتُ وتزوجتُ بقصد التحليل، وبعتُ واشتريتُ بقصد الربا، وبخالعتها بقصد الحيلة على فعل المحلوفِ عليه، وبملكتُ بقصد الحيلة على إسقاط الزكاة أو الشفعة، وما أشبه ذلك.

[[لا يجوز أن يحصل المحتال على مقصوده]]

فهذا لا يحصل له مقصوده الذي قصده وجعل ظاهر اللفظ والفعل وسيلة إليه؛ فإن في تحصيل مقصوده تنفيذًا للمُحرّم، وإسقاطًا للواجب، وإعانة على معصية اللَّه ومناقضة لدينه وشرعه، فإعانتُهُ على ذلك إعانةٌ على الإثم والعدوان، ولا فرق بين إعانته على ذلك بالطريق التي وضعت مُفْضِية إليه وبين إعانته على ذلك بالطريق التي وضعت مفضية إلى غيره؛ فالمقصود إذا كان واحدًا لم يكن اختلاف الطرق الموصلة إليه بموجب لاختلافِ حُكمهِ فيَحْرُم من طريق وَيحِل بعينه من طريق أخرى، والطرق وسائل وهي مقصودة لغيرها، فأي فرق بين التوسل إلى الحرام بطريق الاحتيال والمكر والخداع والتوسل إليه بطريق المجاهرة التي يوافق


(١) في (ك) و (ق): "بغايتها".
(٢) في (ك) و (ق): "معناها".
(٣) في (ن) و (ك): "لم تترتب عليها".
(٤) في (ك) و (ق): "كالمتكلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>