للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهزله سواء، ومنها ما لا يكون كذلك، وإلا لقال: العقود كلها أو الكلام كله جده وهزله سواء، وأما من جهة المعنى فإن النكاح والطلاق والرجعة والعتق فيها حقُّ للَّه تعالى؛ أما العتق فظاهر، وأما الطلاق فإنه يوجب تحريم البُضْع، ولهذا تجب إقامة الشهادة فيه وإن لم تطلبها الزوجة، وكذلك في النكاح فإنه يفيدُ حِلَّ ما كان حرامًا وحرمة ما كان حلالًا وهو التحريم الثابت بالمصاهرة؛ ولهذا لا يُستباح إلا بالمهر، وإذا كان كذلك لم يكن للعبد -مع تعاطي السبب الموجب لهذه الأحكام- أن لا يرتب عليها موجباتها، كما ليس له ذلك في كلمات الكفر إذا هَزَل بها كما صرَّح به القرآن؛ فإن الكلام المتضمن لحق اللَّه لا يمكن قوله مع رفع ذلك الحق؛ إذ ليس للعبد أن يهزل مع ربه ولا يستهزئ بآياته ولا يتلاعب بحدوده، وفي حديث أبي موسى: "ما بالُ أقوامٍ يلعبون بحدود اللَّه ويستهزئون بآياته" (١) [وذلك في الهازلين، و] (٢) يعني -واللَّه أعلم-: يقولونها لعبًا غير ملتزمين لأحكامها وحكمُها لازمٌ لهم، وهذا بخلاف البيع وبابه؛ فإنه تصرّفٌ في المال الذي هو محضُ حق الآدمي، ولهذا يملك بَذْلَه بعوض وغير عوض، والإنسان قد يلعب مع الإنسان وينبسط معه، فإذا تكلم على هذا الوجه لم يلزمه حكم الجادِّ؛ لأن المزاح معه جائز.


(١) رواه ابن ماجه (٢٠١٧) في "الطلاق"، أوله، وابن حبان (٤٢٦٥)، والبيهقي (٧/ ٣٢٢) من طريق مؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى به وليس عندهم كلهم "ويستهزئون بآياته" وإنما تكملة الحديث: "يقول: قد طلقتُ قد راجعتُ".
وقد أورده بهذه التتمة مع "ويستهزئون بآياته": ابن تيمية في "بيان الدليل" (ص ١٦٣).
وهذا إسناد ضعيف، مؤمل بن إسماعيل قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال أبو زرعة: في حديثه خطأ كثير وقال أبو حاتم: صدوق شديد في السنة كثير الخطأ، ووثقه ابن معين. ويظهر أنه ثقة في دينه، أما في حديثه فهو ضعيف، أما البوصيري فقال في "زوائده" (١/ ٣٥١): هذا إسناد حسن!!
وتابعه موسى بن مسعود، أخرجه البيهقي (٧/ ٣٢٢)، وموسى هذا قال فيه أحمد: كأنَّ سفيان الذي يحدث عنه أبو حذيفة ليس هو سفيان الذي يحدث عنه الناس.
ورواه البيهقي (٧/ ٣٢٢) من طريق الطيالسي عن زهير عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرسلًا. وانظر: "التلخيص الحبير" (٣/ ٢٠٥).
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>