للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإعمال لغرض الجاني المتحيل وتصحيح له، ثم إن ذلك جناية على حق اللَّه وحق العبيد؛ فهو إضاعة للحقين وتفويت لهما.

[[حكمة تشريع حدود الجرائم]]

وكذلك الشارع شَرَعَ حدود الجرائم التي تتقاضاها الطباع أشَدَّ تَقاضٍ لما في إهمال عقوباتها من مفاسد الدنيا والآخرة، بحيث لا يمكن سياسة ملكٍ ما من الملوك أن يخلو من عقوباتها ألبتة، ولا يقوم ملكه بذلك، فالإذن في التحيل لإسقاطها بصورة العقد وغيره مع وجود تلك المفاسد بعينها أو أعظم منها نَقْضٌ وإبطال لمقصود الشارع، وتصحيح لمقصود الجاني، وإغراء بالمفاسد، وتسليط للنفوس على الشر.

[[عود مرة أخرى إلى إبطال الحيل]]

وياللَّه العجب! كيف يجتمع في الشريعة تحريم الزنا والمبالغة في المنع منه وقتل فاعله شر القتلات وأقبحها وأشنعها وأشهرها ثم يسقط بالتحيل عليه بأن يستأجرها لذلك أو لغيره ثم يقضي غرضه منها؟ وهل يعجز عن ذلك زانٍ أبدًا؟ وهل في طباع وُلاة الأمران يقبلوا قول الزاني: أنا استأجرتها للزنا، أو استأجرتها لتَطويَ ثيابي ثم قضيت غرضي منها (١)، فلا يحل لك أن


(١) هذا مذهب الشيعة الإمامية.
انظر: "اللمعة الدمشقية" (٩/ ٥٧)، "شرح شرائع الإسلام" (٤/ ١٥).
ونقل ابن حزم في "المحلى" عن ابن الماجشون أن المخدمة سنين كثيرة لا حد على المخدم إن وطئها!! وبه قال أبو حنيفة والمعتمد في المذهب قول أبي يوسف ومحمد، وهو وجوب الحد.
"مجمع الأنهر" (١/ ٥٩٥)، "شرح فتح القدير" (٤/ ١٥٠)، "المبسوط" (٩/ ٥٨)، "الدر المختار" (٤/ ٢٩).
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة وابن حزم إلى وجوب الحد أيضًا، انظر: "جامع الأمهات" (ص ٥١٥)، "حاشية الدسوقي" (٤/ ٣١٤)، "بداية المجتهد" (٢/ ٣٢٤)، "شرح الخرشي" (٨/ ٧٦)، "عقد الجواهر الثمينة" (٣/ ٣٠٧)، "الذخيرة" (١٢/ ٦٧)، "الإشراف" (٤/ ٢٣٣ رقم ١٥٨٧ - بتحقيقي)، "المحلى" (١١/ ١٥٠)، "حلية العلماء" (٨/ ١٥)، "المقنع" (٣/ ٤٦٢)، "المغني" (١٠/ ١٩٤).
والحق في هذا كله وجوب الحد، إذ عدمه فيه معنى يعارضه كتاب اللَّه، قال اللَّه تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: ٢]، قاله ابن الهمام في "شرح فتح القدير" (٤/ ١٥٠).=

<<  <  ج: ص:  >  >>