للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتاسع: أنه إعانة ظاهرة على الإثم والعُدْوان، وإنما اختلفت الطريقُ؛ فهذا يعين عليه بحيلة ظاهرُهَا صحيح مشروع يتوصل بها إليه، وذاك يعين عليه بطريقه المفْضية إليه بنفسها، فكيف كان هذا معينًا على الإثم والعدوان والمتحيّل المخادع يعين على البر والتقوى.

العاشر: أن هذا ظلمٌ في حقِّ اللَّه، وحق رسوله، وحق دينه، وحق نفسه، وحق العبد المُعيَّن، وحق (١) عموم المؤمنين؛ فإنه يُغْرِي به ويعلمه ويدل عليه، والمتوصل إليه بطريق المعصية لا يظلم إلا نفسه، ومَنْ تعلق به ظلمه من المعيَّنين فإنه لا يزعم أنَّ ذلك دينٌ وشرع ولا يقتدي به الناس. فأين فسادُ أحدهما من الآخر وضرره من ضرره؟ وباللَّه التوفيق.

فصل [حجج الذين جوَّزوا الحيل]

قال أرباب (٢) الحيل: قد أكثرتم من ذم الحيل، وأجلبتم بخَيْل الأدلة ورَجْلها وسمينها ومهزولها، فاسمعوا (٣) الآن تقريرها واشتقاقها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وأئمة الإسلام، وأنه لا يمكن أحدًا إنكارها.

[[أدلتهم من القرآن]]

قال اللَّه تعالى لنبيه أيوب عليه السلام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] فأذن لنبيه أيوب أن يتحلل من يمينه بالضرب بالضِّغْث، وقد كان نَذَر أن يضربها ضرباتٍ متعددة (٤)، وهي في المتعارف الظاهر إنما تكون متفرقةً؛ فأرشده تعالى إلى الحيلة في خروجه من اليمين، فنقيس عليه سائر الباب، ونسميه وجوه المخارج من المضائق، ولا نسمّيه بالحيل التي ينفر الناس من اسمها.

وأخبر اللَّه تعالى عن نبيه يوسف -عليه السلام- أنه جعل صُواعَه في رَحْل أخيه ليَتوَّصل بذلك إلى أخذه من إخوته، ومَدَحَه بذلك، وأخبر أنه برضاه وإذنه، كما قال: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ


(١) كذا في (ن) و (ك) و (ق) وفي سائر النسخ: "حقوق".
(٢) في (ك): "أصحاب".
(٣) كذا في (ك) و (ق)، وفي سائر النسخ: "فاستمعوا".
(٤) في المطبوع و (ك): "معدودة".

<<  <  ج: ص:  >  >>