للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ] (١)} [يوسف: ٧٦] فأخبر أن هذا كيده لنبيه، وأنه بمشيئته، وأنه يرفع درجة عبده بلطيف العلم ودقيقه الذي لا يهتدي إليه سواه، وأن ذلك من علمه وحكمته.

وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: ٥٠] فأخبر تعالى أنه مكر بمن مكر بأنبيائه ورسله، وكثير من الحيل هذا شأنها، يمكر بها على الظالم والفاجر ومن يعسر تخليص الحق منه؛ فتكون وسيلة إلى نصر مظلوم وقهر ظالم ونصر حق وإبطال باطل.

واللَّه تعالى قادر على أخذهم بغير وجه المكر الحسن، ولكن جازاهم بجنس عملهم، وليعلّم عباده أن المكر الذي يتوصَّلُ به إلى إظهار الحق ويكون عقوبة للماكر ليس قبيحًا.

وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: ١٤٢] وخداعه لهم أن يظهر لهم أمرًا ويبطن لهم خلافه. فما تُنكرون على أرباب الحيل الذين يظهرون أمرًا يتوصلون به إلى باطن غيره اقتداءً (٢) بفعل اللَّه تعالى؟

[[أدلتهم من السنة]]

وقد روى البخاري في "صحيحه" من حديث أبي هريرة وأبي سعيد "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- استعمل رجلًا على خيبر، فجاءهم بتمرٍ جَنيبٍ (٣)، فقال: أكلُّ تمر خيبر هكذا؟ قال: إنا لنأخذ الصالح من هذا بالصَّاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا" (٤) وقال في الميزان مثل (٥) ذلك، فأرشده إلى الحيلة على التخلص من الربا بتوسط العقد الآخر، وهذا أصل في جواز العِينَةِ.

وهل الحيل إلا معاريض في الفعل على وِزان (٦) المعاريض في القَوْل؟ وإذا كان في المعاريض مَنْدوحة عن الكذب ففي معاريض الفعل مَنْدُوحة عن المحرمات وتخلّص من المضايق.


(١) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "الآية".
(٢) في (ن) و (ك) و (ق): "أفتوا"، وقال (د)، و (ط): في نسخة: "اقتدوا"، وزاد (ط): "انظر: "أعلام الموقعين" (ط فرج اللَّه زكي الكردي ج ٣ ص ١٥٧) ".
(٣) "نوع جيد من أنواع التمر" (و).
(٤) سبق تخريجه، وفي النسخ المطبوعة: "الجميع" بدل "الجمع".
(٥) في (ك): "القرآن بمثل".
(٦) في (ن) و (ك) و (ق): "وزن".

<<  <  ج: ص:  >  >>