للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسخرية الساخرين، فيخادعون اللَّه كما يخادعون الصبيان، ويتلاعبون بحدودِه كتلاعب المُجَّان، فيحرمون الشيء ثم يستحلّونه [إياه] (١) بعينه بأدنى الحيل، ويسلكون إليه نفسه طريقًا توهم أن المراد غيره [وقد علموا أنه هو المراد لا غيره] (٢)، ويسقطون الحقوق التي وصَّى اللَّه بحفظها وأدائها بأدنى شيء، ويفرقون بين متماثلين [من كل] (٣) وجه لاختلافهما في الصورة أو الاسم أو الطريق الموصل إليهما، ويستحلون بالحيل ما هو أعظم فسادًا مما يحرمونه ويسقطون بها ما هو أعظم وجوبًا مما يوجبونه.

[[كمال الشريعة الإلهية وعظمتها وأثرها]]

والحمد للَّه الذي نزَّه شريعته عن هذا التناقض والفساد، وجعلها كفيّة (٤) وافية (٥) بمصالح خلقه في المعاش والمَعَاد، وجعلها من أعظم آياته الدالة عليه، ونَصَبها طريقًا مرشدًا لمن سلكه إليه؛ فهو نورُه المبين، وحِصْنُه الحصين، وظله الظليل، وميزانه الذي لا يَعُولُ، لقد تعرَّف بها إلى ألِبَّاء عباده غاية التعرف (٦)، وتحبب بها إليهم غاية التحبب، فأنِسُوا [بها] (٧) منه حكمته البالغة، وتمت بها عليهم منه نعمُه السابغة، ولا إله إلّا اللَّه الذي في شرعه أعظم آية تدل على تفرده بالإلهية وتوحده بالربوبية، وأنه الموصوف بصفات الكمال، المستحق لنعوت الجلال، الذي له الأسماء الحسنى والصفات العُلَى وله المَثَلُ الأعلى، فلا يدخل السوء في أسمائه ولا النقص والعيب في صفاته، ولا العبث ولا الجور في أفعاله، بل هو منزَّه في ذاته وأوصافه وأفعاله وأسمائه عما يضاد كماله بوجه من الوجوه، وتبارك اسمه، وتعالى جَدُّه، وبهرت حكمته، وتمت نعمتُه، وقامت على عباده حجتُه، واللَّه أكبر كبيرًا أن يكون في شرعه تناقض واختلاف، فلو {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] بل هي شريعة مؤتلفة النظام، متعادلة الأقسام، مبّرأة من كل نقص، ومطهَّرة من كل دَنَس، {مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا} [البقرة: ٧١]، مؤسسة على العدل والحكمة، والمصلحة والرحمة، قواعِدُها


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق).
(٣) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "بكل".
(٤) كذا في (ك) و (ق) و (ن) وفي سائر النسخ: "كفيلة".
(٥) في (ق) و (ك): "وفيّه".
(٦) في (ق) و (ك): "التعريف".
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>