للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومبانيها، إذا حَرَّمت فسادًا حرمت ما هو أولى منه أو نظيره، وإذا رَعَت صلاحًا رَعَتْ ما هو فوقه أو شبهه؛ فهي (١) صراطه المستقيم الذي لا أمْتَ فيه ولا عِوَج، ومِلّته الحنيفية السَّمْحَة التي لا ضيق فيها ولا حرج، بل هي حنيفية التوحيد سمحة العمل، لم تأمر بشيء فيقول العقل: لو نهت عنه لكان أوفق، ولم تَنْهَ عن شيء فيقول الحِجَى: لو أباحته لكان أرفق، بل أمرت بكل صلاح، ونهت عن كل فساد، وأباحت كل طيب، وحرمت كل خبيث، فأوامرها غذاءٌ ودواء، ونواهيها حِمْيَة وصيانة، وظاهرُها زينةٌ لباطنها، وباطنُها أجملُ من ظاهرها، شعارُهَا الصدق، وقوامها الحق، وميزانها العدل، وحكمها الفَصْل، لا حاجة بها البتة إلى أن تكمل بسياسة ملك أو رَأي ذي رأي أو قياس فقيه أو ذوق ذي رياضة أو منام ذي دين وصلاح، بل بهؤلاء (٢) كلهم أعظم الحاجة إليها، ومَنْ وفق منهم للصواب فلاعتماده وتعويله عليها، لقد أكملَهَا الذي أتم نعمته علينا بشرعها قبل سياسات الملوك، وحيل المتحيلين، وأقيسه القياسيين، وطرائق الخلافيين، وأين كانت هذه الحيل والأقْيسَة والقواعد المتناقضة والطرائق القِدَدُ وقتَ نزول قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣]، وأين كانت يوم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد تركتكم على المَحَجَّةِ البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها [بعدي] إِلَّا هالك" (٣) ويوم


(١) في (ق): "شبيهه، فهو".
(٢) كذا في (ك) و (ق) وفي سائر الأصول: "لهؤلاء".
(٣) رواه أحمد (٤/ ١٢٦)، وابن ماجة (٤٣) في (المقدمة): باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، وابن أبي عاصم في "السنة" (٤٨)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٨) (٦١٩ و ٦٢٠)، والحاكم في "المستدرك" (١/ ٩٦)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (١/ ١٧٦)، والبيهقي في "المدخل" (٥١)، وابن عبد البر في "الجامع" (٢٣٠٣ و ٢٣٠٤) كلهم من طريق عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية به، وفيه عندهم الزيادة المعروفة: "من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا. . . ".
ورجاله ثقات، وعبد الرحمن بن عمرو هذا روى عنه جمع من الثقات، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وصحح له الترمذي وابن حبان والحاكم.
وتابعه على هذه الفقرة أيضًا جبير بن نفير: رواه ابن أبي عاصم (٤٩)، والطبراني في "الكبير" (١٨/ ٦٤٢)، ورجاله ثقات إِلا شَعْوَذ الأزدي ذكره ابن أبي حاتم (٤/ ٣٩٠) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في "الثقات" (٦/ ٤٥١).
وله شاهد من حديث أبي الدرداء: رواه ابن ماجة (٥)، وابن أبي عاصم (٤٧).
قال شيخنا الألباني: رجاله ثقات على ضعف في إبراهيم بن سليمان الأفطس، وهشام بن عمار. =

<<  <  ج: ص:  >  >>