للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذ حقه من الغير بما يمكنه الوصول إليه بغير رضا مَنْ عليه الحق.

قال شيخنا -رضي اللَّه عنه- (١): وهذه الحجة ضعيفة؛ فإن يوسف لم يكن يملك حبس أخيه عنده بغير رضاه، ولم يكن هذا الأخ ممن ظَلَم يوسف حتى يقال: [إنه] (٢) قد اقتصَّ منه، وإنما سائر الإخوة هم الذين كانوا قد فعلوا ذلك، نعم تخلّفه عنده كان (٣) يؤذيهم من أجل تأذّي أبيهم والميثاقِ الذي أخذه عليهم، وقد استثنى (٤) في الميثاق [بقوله] (٥): {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: ٦٦]، وقد أُحيط بهم، ويوسف -عليه السلام- لم يكن قصده (٦) باحتباس أخيه الانتقام من إخوته؛ فإنه كان أكْرَمَ من هذا، وكان في ذلك (٧) من الإيذاء لأبيه (٨) أعظم مما فيه من إيذاء إخوته، وإنما هو أمرٌ أمره اللَّه به ليبلغَ الكتابُ أجَلَه ويتم البلاء الذي استحق به يعقوب ويوسف [عليه السلام] (٩) كمالَ الجزاء، وتبلغ حكمة اللَّه التي قضاها لهم نهايتها. ولو كان يوسف قصد القصاص (١٠) منهم بذلك فليس هذا موضع الخلاف بين العلماء؛ فإن الرجل له أن يعاقب بمثل ما عوقب به (١١)، وإنما مَوْضِع الخِلاف: هل يجوز له أن يسرق أو يخون مَنْ سرقه أو خانه (١٢) مثل ما سرق منه (١٣) أو خانه إياه (١٤)؟


(١) الكلام كله متواصلًا كما ذكرت آنفًا لشيخ الإسلام -رحمه اللَّه-.
وقال (و): "في نفس الموضع من فتاويه" (ص ٢١٢ ج ٣) اهـ.
(٢) ما بين المعقوفتين من "بيان الدليل".
(٣) في "بيان الدليل": "نعم كان تخلفه عنده" بتقديم وتأخير.
(٤) في (ن) و (ق): "استثنوا".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من "بيان الدليل".
(٦) في نسخ "الإعلام": "ولم يكن قصد يوسف".
(٧) في "بيان الدليل": "وكان في ضمن هذا"، وأثبت (و) كلمة "ضمن" بين معقوفتين قبل "ذلك"، وقال: "الزيادة هذه من الفتاوى ص ٢١٣ ج ٣".
(٨) قال (د): "في نسخة: من الإيذاء له أعظم مما. . . إلخ" اهـ.
(٩) ما بين المعقوفتين من "بيان الدليل".
(١٠) في "بيان الدليل": "الاقتصاص".
(١١) لا شك في ذلك، لكن معلوم أن العفو والصفح أفضل؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: ١٢٦]، وقوله سبحانه: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠].
(١٢) في "بيان الدليل" و (ك): "أو يخون سرقة أو خيانة"!
(١٣) في "بيان الدليل": "مثل ما سرقه إياه".
(١٤) انظر: "تهذيب السنن" (٦/ ٣٣٨، ٣٤٢)، و"زاد المعاد" (٣/ ٢٠٥)، و"مفتاح دار السعادة" (ص ٤٣٢)، و"أحكام الجناية" (ص ١٨٩ - ٢٠٢) مهم فراجعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>