للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو مستحبًا أو واجبًا يوَصِّله به إلى المقصود الحسن؛ فيكون على هذا إلهامه ليوسف أن يفعل ما فعل هو من كيده تعالى (١) أيضًا، وقد دل على ذلك قوله: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: ٧٦] فإن فيه (٢) تنبيهًا على أن العلم الدقيق الموصل إلى المقصود الشرعي صفة مدح، كما أن العلم الذي يخصم به المبطَل صفةُ مدحٍ [حيث قال في قصة إبراهيم: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: ٨٣].] (٣)؛ وعلى هذا فيكون من الكيد ما هو مشروع، لكن لا يجوز أن يُراد به الكيد الذي تُستحلُّ به المحرمات أو تسقط به الواجبات؛ فإن هذا كيدٌ للَّه، واللَّه هو الذي يكيدُ الكائدَ، ومحال (٤) أن يشرع اللَّه تعالى أن يُكاد دينُه، وأيضًا فإن هذا الكيد لا يتم إِلا بفعل يُقصد به غير مقصوده الشرعي، ومحال أن يشرع اللَّه لعبده أن يقصدَ بفعله ما لم يشرع اللَّه ذلك الفِعَل له (٥).

فهذا هو الجواب عن احتجاج المتحيلين بقصة يوسف عليه الصلاة والسلام، وقد تبين أنها من أعظم الحجج عليهم، وباللَّه التوفيق (٦).

[فصل [الجواب عن حديث أبي هريرة في تمر خيبر من صور النزاع]]

وأما حديث أبي هريرة وأبي سعيد "بع الجَمْع (٧) بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا" (٨) فما أصحه من حديث، ونحن نتلقاه بالقبول والتسليم، والكلام معكم فيه من (٩) مقامين:


(١) في "بيان الدليل" و (ك) و (ق): "سبحانه".
(٢) في نسخ "الإعلام": "فيها"!
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من نسخ "الإعلام" كلها.
(٤) في "بيان الدليل": "واللَّه هو المكيد في مثل هذا، فمحال".
(٥) إلى هنا انتهى نقله عن شيخ الإسلام، مع وجود زيادة في "بيان الدليل" (ص ٢٧٧ - ٢٨٧)، أولها "وأيضًا فإن الأمر المشروع هو عام لا يختص به شخص دون شخص، فالشيء إذا كان مباحًا لشخص؛ كان مباحًا لكل من كان مثل حاله،. . . " فانظرها هناك.
(٦) قال (و): "هناك بعد هذا كلام ذكره ابن تيمية عن القصة (ص ٢١٧) ج ٣ فتاوى" اهـ. قلت: وهو الذي أشرت إليه آنفًا.
(٧) في بعض الطبعات [ط، د]: "الجميع" وهو خطأ؛ فالجمع: كل لون من النخيل لا يعرف اسمه، أو هو تمر رديء مختلط من أنواع متفرقة، ولا يرغب فيه" قاله (و)، وما بين المعقوفتين منِّي، والتعريف الثاني هو المراد، وهو عكس الجنيب، فانظر: "لسان العرب" (١/ ٦٩٥، ٨٦٢) لابن منظور.
(٨) سبق تخريجه.
(٩) في (ك) و (ق): "في".

<<  <  ج: ص:  >  >>