للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جنسه، فإما أن يواطئه على الشراء منه لفظًا، أو يكون العرف بينهما قد جرى بذلك أو لا يكون، فإن كان الأول فهو باطلٌ كما تقدم تقريره؛ فإن هذا لم يقصد ملك الثمن ولا قصد هذا تمليكه، وإنما قصد تمليك المُثْمن بالمثمن (١)، وجعلا تسمية الثمن تلبيسًا وخداعًا ووسيلة إلى الربا؛ فهو في هذا العقد بمنزلة التّيْسِ الملعون في عقد التحليل، وإن لم تَجْرِ بينهما مواطأة لكن قد علم المشتري أن البائع يريد أن يشتري منه ربويًا بربوي فكذلك؛ لأن عِلْمه بذلك ضرب من المواطأة، وهو يمنع قصد الثمن الذي يخرجان (٢) به عن قصد الربا، وإن قَصَد البائعُ الشراءَ منه بعد البيع ولم يعلم المشتري؛ فقد قال الإمام أحمد: هاهنا لو باع من رجل دنانير بدراهم لم يجز أن يشتري بالدراهم منه ذهبًا إِلا أن يمضي ويبتاع بالورِقِ من غيره ذهبًا، فلا يستقيم فيجوز أن يرجع إلى الذي ابتاع منه الدنانير فيشتري منه ذهبًا (٣)، وكذلك (٤) كره مالك أن تصرف دراهمك من رجل بدنانير، ثم تبتاع منه بتلك الدنانير دراهم غير دراهمك في الوقت أو بعد يوم أو يومين، قال ابن القاسم: فإن طال الزمان وصح أمرهما فلا بأس به (٥)؛ فوجه ما منعه الإمام أحمد -رضي اللَّه عنه- أنه متى قصد المشتري منه تلك الدنانير لم يقصد تملك الثمن، ولهذا لا يحتاط في النقد والوزن، ولهذا يقول: إنه متى بَدَا له بعد القبض والمفارقة أن يشتري منه -بأن يطلب من غيره فلا يجد- لم يكن في العقد الأول خَلَلٌ -والمتقدمون من أصحابه حملوا هذا المنع منه على التحريم (٦).

وقال القاضي وابن عقيل وغيرهما: إذا لم يكن شرطٌ (٧) ومواطأة بينهما لم يحرم (٨)، وقد أوما إليه الإمام أحمد في رواية حرب؛ فإنه قال: قلت لأحمد: أشتري من رجل ذهبًا ثم أبتاعه (٩) منه، قال: بَيْعُه من غيره أحَبُّ إليَّ (١٠)، وذكر


(١) في (ن) و (ك): "الثمن بالثمن".
(٢) في (ك): "يخرج".
(٣) انظر: "المغنى" (٦/ ١١٤ - جامعة الإمام)، و"الإنصاف" (٥/ ٥٠ - دار إحياء التراث العربي)، و"الفروع" (٤/ ١٦٧).
(٤) في (ك): "ولذلك".
(٥) انظر: "المدونة الكبرى" (٣/ ٤٠٣ - دار صادر بيروت).
(٦) في (ك): "منه هذا المنع على التحريم"، وفي (ق): "هذا المنع على التحريم".
(٧) في (ن) و (ك) و (ق): "غرض".
(٨) انظر: "المغني" (٦/ ١١٤ - جامعة الإمام)، و"الفروع" (٤/ ١٦٧).
(٩) في (ك): "باعه".
(١٠) في (ن) و (ك) و (ق): "يبيعه من غيره أعجب إلي".

<<  <  ج: ص:  >  >>