للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسنة، فأحلوا الحرام، وحرموا الحلال، وأسقطوا الواجب، وأوجبوا ما لم يجب، فكانت هذه المؤاخذات والعبارات الشديدة من باب غيرة الإمام ابن القيم على الشريعة وأحكامها، ووضعه الأمور الشرعية في نصابها، وهذا من إنصافه أيضًا إذ ليس عنده وكس ولا شطط، واللَّه الهادي، لا ربّ سواه.

سابعًا: ثمرة نقل الأقوال والخلاف والأدلة مع الإنصاف والأمانة وتقدير أهل العلم هو الكشف عن حكم اللَّه عز وجل، وبيان الراجح من الأقوال، وبهذا ينتهي عرض ودراسة ابن القيم لجل المسائل والمباحث التي في كتابنا، فهو يتوصل إلى القول الراجح بعد تحليل وتأصيل وتدليل، ونظر عميق، وتأمل طويل، وتفهم وتصور دقيق، ولذا فترجيحاته صحيحة، واختياراته مليحة، وهي تتطابق مع الأدلة، ومدعّمة بما يزيّنها من الحِكَم والأسرار والمقاصد، التي تستنبط من النصوص، بالاستقراء أو إعمال النظر.

وترجيحاته قائمة على إعمال الأدلة جميعها، وقرر أنه "لا يجوز العمل والإفتاء في دين اللَّه بالتشهي والتخيير وموافقة الغرض" (١) وقال عن هذا: "من أفسق الفسوق، وأكبر الكبائر" (٢) وكذلك "لا يجوز للمفتي أن يعمل بما شاء من الأقوال والوجوه، من غير نظر في الترجيح" (٣) وقال عن هذا: "حرام باتفاق الأمة" (٤).

وتمتاز ترجيحاته بالأمور الآتية:

أولًا: الوضوح والجزم والقوة، فكان يقول: "وهو الصواب المقطوع به" (٥) و"هذا هو الصواب الذي ندين به في المسألة" (٦) و"هذا هو الصواب الذي لا ريب فيه" (٧).

ثانيًا: مراعاة جميع ما ورد في الباب من أدلة، قال في مسألة مثلًا:

"والصواب القول الوسط الجامع بين الأدلة الذي لا يحتمل سواه. . . " (٨).

ثالثًا: وجوب الخروج عن المذهب إذا جاء الدليل بخلافه، وعَدَّ من يقدم


(١) "إعلام الموقعين" (٥/ ١٢٤ - ١٢٥).
(٢) "إعلام الموقعين" (٥/ ١٢٥).
(٣) "إعلام الموقعين" (٥/ ١٢٤).
(٤) "إعلام الموقعين" (٥/ ١٢٤).
(٥) "إعلام الموقعين" (٤/ ٣١٠، ٣١٤، ٤٠٠ و ٥/ ٢١٣).
(٦) "إعلام الموقعين" (٥/ ٥١ و ٤/ ٣٢٢).
(٧) "إعلام الموقعين" (٤/ ٥٠١ و ٥/ ٦٤).
(٨) "إعلام الموقعين" (٢/ ٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>