للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إسقاط القضاء أن يكفر باللَّه ورسوله في حال (١) إحرامه فيبطل إحرامه، فإذا عاد إلى الإسلام لم يلزمه القضاء من قابل، بناءً على أن المرتد كالكافر الأصلي، فقد أسلم إسلامًا مستأنفًا لا يجب عليه فيه قضاء ما مضى، ومن له مسكة من علم ودين يعلم أن هذه الحيلة مناقضة لدين الإسلام أشد مناقضة، فهي (٢) في شق والإسلام في شق.

[[إبطال حيلة لإسقاط حق صاحب الحق]]

وكذلك لو وكَّلَ رجلًا في استيفاء حقه فرفعه إلى الحاكم فأراد أن يحلّفه بالطلاق أنه لا حقَّ لوكيله قِبَله، فالحيلة في حَلْفه صادقًا أن يُحضر الموكل إلى منزله ويدفع إليه حقه ثم يغلق عليه الباب ويمضي مع الوكيل، فإذا حلف أنه لا حق لوكيله قبله حَلَفَ صادقًا، فإذا رجع إلى البيت فشأنه وشأن صاحب الحق.

وهذه شرٌّ من حيلة اليهود أصحاب الحيتان، وهذه وأمثالها إنما هي من حيل اللصوص وقطاع الطريق، فما لدين اللَّه ورسوله وإدخالها فيه؟ ولا يجدي عليه هذا الفعل في بره باليمين شيئًا، بل هو حانث كل الحنث؛ إذ لم يتمكن صاحب الحق من الظفر بحقه فهو في ذمة الحالف كما هو، وإنما يبرأ منه إذا تمكَّن صاحبه من قبضه، وعدَّ نفسه مستوفيًا لحقه (٣).

[[إبطال حيلة لإسقاط زكاة عروض التجارة]]

وكذلك لو كان له عروض (٤) للتجارة فأراد أن يُسْقِطَ زكاتها، قالوا: فالحيلة


(١) في (ك): "خلال".
(٢) كذا في (ن)، وفي سائر النسخ: "فهو".
(٣) وإن تعجب فاعجب لكثير من تجار اليوم، فإنك تجد أحدهم يحلف في سوقه عشرات الأيمان كذبًا؛ ليبيع سلعته، ولئن قلت له: هذا حرام ولا يجوز، يقول لك: إنني عند خروجي من بيتي إلى السوق أحلف يمينًا أن كل أيماني اليوم تكون كذبًا!!
فيا سبحان اللَّه! هل يا مُسَيْكين حَلْفُكَ ويمينك أن تفعل الحرام يُسوِّغ ويجوّز لك فعل الحرام؟!!
إذًا -على قولكم- لو أراد إنسان أن يقتل أو يسرق أو يزني، فليحلف أولًا لَيَفْعل كذا وكذا، ثم يفعل هذا الحرام، ولا شيء عليه!! وهذا من أعجب العجب!!
ولقد صدق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ قال: "إن التجار هم الفجار، قيل: يا رسول اللَّه! أوليس قد أحل اللَّه البيع؟ قال: بلى، ولكنهم يُحدِّثون فيكذبون، ويحلفون فيأثمون" صحيح رواه أحمد (٣/ ٤٢٨) وغيره، وفي "صحيح مسلم" (١/ ٧١) قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثلاثة لا يكلمهم اللَّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم. . . والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".
(٤) في (ك): "غرض".

<<  <  ج: ص:  >  >>