للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ينوي بها القُنْيَة (١) في آخر الحول يومًا أو أقل، ثم ينقض هذه النية ويعيدها للتجارة، فيستأنف بها حولًا، ثم يفعل هكذا في آخر كل حول، فلا تجب عليه زكاتها أبدًا.

فياللَّه العجب! أيروج هذا الخداع والمكر والتلبيس على أحكم الحاكمين الذي {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩)} [غافر: ١٩]؟ ثم إن هذه الحيلة كما هي مخادعة للَّه، ومكر بدين الإسلام، فهي باطلة في نفسها، فإنها إنما تصير للقُنْية (١) إذا لم يكن من نيته إعادتها للتجارة، فأما وهو يعلم أنه لا يقتنيها البتة ولا له حاجة باقتنائها، وإنما أعَدَّها للتجارة، فكيف تتصور منه النية الجازمة للقنية (٢) وهو يعلم قطعًا أنه لا يقتنيها ولا يريد اقتناءَها، وإنما هو مجرد حديث [النفس أو] (٣) خاطر أجراه على قلبه بمنزلة من يقول (٤) بلسانه: "أعددتها للقنية" وليس ذلك في قلبه؟ أفلا يستحيي من اللَّه مَنْ يسقط فرائضه بهذا الهوس وحديث النفس؟

[[إبطال حيلة أخرى لإبطال الزكاة]]

وأعجب من هذا أنه لو كان عنده عَيْنٌ من الذهب والفضة (٥) فأراد إسقاط زكاتها في جميع عمره، فالحيلة أن يدفعها إلى محتال مثله أو غيره في آخر الحول ويأخذ منه نظيرها فيستأنف له الحول، [ثم (في) آخره] (٦) يعود فيستبدل بها مثلها، فإذا هو فعل [مثل] (٧) ذلك لم تجب عليه زكاته ما عاش، وأعظم من هذه البلية إضافة هذا المكر والخداع إلى الرسول، وأن هذا من الدين الذي جاء به.

ومثل هذا وأمثاله مَنَع كثيرًا من أهل الكتاب من الدخول في الإسلام، وقالوا: كيف يأتي رسول بمثل هذه الحيل؟ وأساءوا ظنهم به وبدينه، وتواصوا بالتمسك بما هم عليه، وظنوا أن هذا هو الشرع الذي جاء به، وقالوا: كيف تأتي بهذا شريعة أو تقوم به مصلحة أو يكون من عند اللَّه؟ ولو أن ملكًا من الملوك ساس رعيته بهذه السياسة لقدح ذلك في ملكه، قالوا: وكيف يشرعُ الحكيمُ الشيءَ


(١) "القنية -بضم القاف أو كسرها، مع سكون النون فيهما-: ما اكتسبه الإنسان، واتخذه لنفسه لا للتجارة، [والنشب] " (د)، و (و)، وما بين المعقوفتين زيادة من (و) على (د).
(٢) انظر الهامش السابق.
(٣) في (ك) و (ق): "نفس و".
(٤) في (ن) و (ك) و (ق): "أن يقول".
(٥) في (ق): "والورق".
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وما بين القوسين سقط من (ك).
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>